The Arizona Incident: Random or Organized?

<--

حادثة إريزونا ..عابرة أم منظمة؟

شؤون سياسية

الجمعة 14-1-2011م

بقلم: عبد الرحمن غنيم

حين تتعدد أشكال العنف، وتأتي معاً، لا يستطيع المراقب للأمور إلا أن يردد العبارة الدارجة فيها:

– عدد من الطرود البريدية أحدها مرسل إلى وزيرة الأمن الداخلي الأميركية في ظروف معينة ،‏

وليست متفجرة.‏

– جون ويلير المستشار في ادارتي بوش الأب وبوش الابن يعثر على جثته في حاوية القمامة.‏

– شاب يطلق النار على عضو مجلس النواب الأميركي غابرييلا غيفوردز وسط أنصارها ما يؤدي إلى سقوط ستة قتلى في ولاية اريزونا.‏

مجيء هذه الوقائع في يوم واحد، وما تشي به من احتمال وقوع أحداث أخرى مشابهة لاحقاً هو أمر يثير بداية السؤال المنطقي: هل اجتمعت هذه الأحداث بمحض الصدفة أم إن هناك جهة ما تقف وراء هذه الأحداث؟‏

لاشك أن هذا السؤال يشغل حالياً أجهزة الآمن الأميركية التي تتولى التحقيق في مثل هذه الوقائع. ولاشك أن السؤال الأهم المطروح على هذه الأجهزة هو أن تتبين ما إذا كانت هذه الوقائع جزءاً من عمليات مدبرة ضد الولايات المتحدة من داخل الولايات المتحدة ولكن من قبل جهة خارجية معادية للسياسة الأميركية ، أم إنها وقائع فردية لكل واحدة منها ذريعتها المنفصلة عن الوقائع الأخرى. وفي دولة كبيرة بحجم الولايات المتحدة- فيها من عصابات الجريمة ما يكفيها- فإن وقوع عدد من عمليات العنف في يوم واحد ليس بالأمر المستبعد، ولكن إذا ما تعاقبت مثل هذه العمليات، فإنها ستدل عندئذ على وجود تنظيم يقف من ورائها.‏

لكن المشكلة بالنسبة لأجهزة الأمن الأمريكية تكمن في حقيقة أن أعداء السياسات الأميركية باتوا أكثر من الهم على القلب، وأن القائمة الافتراضية للاحتمالات حول مصادر مثل هذه العمليات باتت طويلة، وأن المشكلة لا تتعلق فقط بردود الفعل المحتملة لأولئك الناس المضطهدين من ضحايا السياسات الأميركية مثل الفلسطينيين والعراقيين والأفغان وآخرين من العرب والمسلمين وشعوب أخرى، وإنما هناك أيضاً أميركيون ناقمون بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعصف بهم بسبب تأثيرات الحروب الأميركية على الاقتصاد الاميركي. وبالتالي ، فإن أسباب النقمة في الولايات المتحدة هي كثيرة. وعندئذ ، فإن فرضية الدوافع المتعددة وراء الأحداث المتعددة هي أيضاً فرضية قوية. وهذه الفرضية تصعب المشكلة بالنسبة لأجهزة الأمن الأميركية بدلاً من تبسيطها. كما أن معالجة المشكلات التي تكمن وراء أحداث من هذا النوع هي خارج نطاق قدرة الإدارة الأميركية ، ونحن نعرف أن التوقعات المتعلقة بخروج الاقتصاد الأميركي من أزمته هي توقعات متشائمة.‏

سيكون هناك فارق جوهري بين أن يتضح بأن أحداثاً من هذا النوع هي أحداث فردية أو أن هناك تنظيما أو أكثر تقف من ورائها ولكن ،ومهما كانت الحقيقة ، فهي تشي بوضوح إلى أن ما تسميه الولايات المتحدة بالإرهاب ، وتشن حروبها بدعوى مواجهته ، إنما يطل الآن من داخل الولايات المتحدة ، ومن بين أوساط الشعب الأميركي نفسه .وبالتالي، فإن أحداثا مثل هذه التي وقعت بالفعل إنما تدق ناقوس الخطر لتقول للأمركيين : إن الإرهاب الذي اتخذتم منه ذريعة لشن الحروب هو اليوم يعشش داخل الولايات المتحدة ، ويهدد أمنها واستقرارها وإن مساندة حكوماتكم للإرهاب الذي تمارسه إسرائيل ضد العرب وخاصة ضد عرب فلسطين قد يشجع انغلاق ظواهر العنف داخل الولايات المتحدة لتتجاوز أشكال العنف الإجرامي التي كانت سائدة في الماضي إلى أشكال من العنف السياسي والاقتصادي الذي يفاقم من الأزمة الداخلية للمجتمع الأميركي .‏

ربما اعتقد المسؤولون الأميركيون أنه لا علاقة بين الأوضاع الاقتصادية الداخلية في الولايات المتحدة وبين السياسة المساندة لجرائم إسرائيل ضد العرب . لكن هذا التصور ليس صحيحا ، طالما أن مشكلات الإنسان الأميركي المعيشية لا تجد من يعالجها بينما تقدم جميع أشكال الدعم الأميركي إلى إسرائيل ، عدا عن وعي المواطن الأميركي لحقيقة القوى التي تقوم على استغلاله وفي مقدمتها قوى رأس المال المالي اليهودي المهيمنة في الولايات المتحدة.‏

وحتى إذا ما تبين أن هذا البعدالسياسي لا صلة له بالأحداث التي وقعت في الولايات المتحدة ، فإن ذلك لا يعني مطلقاً أن المستقبل القريب أو المتوسط المدى أو البعيد لا يحمل للولايات المتحدة مخاطر تترتب على ما بات السلوك العنصري الصهيوني يمثله من خطر على الولايات المتحدة التي أرخت الحبل على الغارب ليمارس الصهاينة جرائم القتل والسرقة ضد العرب . فالضحايا يحملون الولايات المتحدة المسؤولية مثلما يحملون «إسرائيلها» المسؤولية بل ربما أكثر، لأنه لولا الدعم الأميركي المفتوح لإسرائيل لما أوغلت إسرائيل في جرائمها ضد العرب ولما ولغت من دمائهم دون خوف أو تحسب من العقوبات فأميركا التي تحمي الإرهاب العنصري الصهيوني ضد العرب هي أميركا التي يمكن أن تجد نفسها مجبرة على تسديد الديون الناجمة عن هذه الجرائم .‏

ومهما كانت الحقيقة ، فإن الأحداث التي شهدتها أميركا مؤخراً ، تكفي لجعلنا نقول ببساطة فيها «إن» وننتظر معرفة المزيد عن خلفيات الأحداث وما يمكن أن تعنيه بالنسبة إلى المستقبل

About this publication