الافتتاحية
الثلاثاء 11-1-2011م
بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم
واشنطن قلقة مما يجري في بعض البلدان العربية.. هل سأل أحد عن دوافع وأسباب ذلك القلق.. بل، هل تمعّن أحد إلى أين يوصل..؟!
السودان الذي يحظى منذ سنوات بالقلق الأميركي، هل دقق أحد بمساحات النشوة الأميركية وهي تحصد ثمار ذلك القلق؟!
ربما لا يحتاج الأمر إلى سؤال، فقد اعتادت الإدارات الأميركية المتعاقبة التعبير عن قلقها بلغة دبلوماسية، احتضنت في الغالب المتناقضات في الدلالة والاتجاه وحتى الموقف.
فقلق واشنطن مما يجري في بعض البلدان العربية.. هو غير ما يقلقها مما يجري في الأراضي العربية المحتلة، وخاصة إذا كان سبب القلق ناتجاً عن ممارسات إسرائيل، لأنه في معظم الأحيان حالة من الهروب مارستها السياسة الأميركية على مدى عقود خلت وتعاملت معها كخيار لتمييع المواقف، وتجيير النتائج.
لذلك من البدهي أن يطلق القلق الأميركي صوت فضائه اليوم باتجاهات تفتح بوابات من الاحتمالات على الدوافع والغايات التي أوصلت الدبلوماسية الأميركية إليه سواء من ناحية التوقيت أم المضمون الذي يكاد يفصح عما في النيات المضمرة.
في الشأن العربي عموماً لم يأتنا القلق إلا للتحريض على المزيد من أوجاعنا وآلامنا ومشاكلنا، ولم يظهر يوماً إلا ليطلق العنان لتلك الكرات كي تتدحرج في موقف لم يهدأ يوماً عن الانزياح حتى بات مدخلاً للتعمية والمواربة.
هكذا قدمت الدبلوماسية الأميركية نفسها، وتم التعايش معها من قبل بعضهم على أنه الأمر الذي لا مناص منه، ولا مخرج، وذهب بعضهم الآخر أبعد من ذلك قليلاً حين وجد فيها أنموذجاً يخفي فيه مواجعه ومخاوفه من جاره وشقيقه بلغة لا تخلو أحياناً من التحريض.
وعلى مدى السنوات التي مضت لم يكن الطرح الأميركي الصادم في مساحة القلق التي يحملها إلا حصيلة لتلك الصورة التي تم فيها تسويق بضاعة حاكت تفاصيلها الأصابع الإسرائيلية.
لم يأتِ القلق الأميركي يوماً حيادياً، لأنه لم يظهر مرة إلا وترك خلفه مساحة من الترقب المشوب بالريبة مما هو آتٍ.. وهي معادلة أفرزتها عقود طويلة من التجربة المريرة التي جاءت غالباً بلبوس يشي بما وراءه.
على هذه القاعدة كانت دواعي القلق الأميركي التي نعرفها جميعاً.. لها على الدوام تلك الذوائب وبينها أو على مقربة منها ذلك الحجم الهائل من القصف التمهيدي اللامتناهي من حسابات ومداولات وأروقة كانت شاهدة على خبايا ما حمله ذلك القلق.
اللافت اليوم أن مساحة القلق الأميركي مما يجري على امتداد الساحة العربية، تتسع بما يكفي للدلالة على ما تخفيه بحيث يمتد من غرب الأمة إلى شرقها مروراً بكل تعرجات بلدانها، حتى لا يكاد أحد يفرق بينها، وقد جمعها القلق الأميركي على مسافة واحدة.
في الكثير من الأحيان كان بعض الأسئلة التي يثيرها هو ما يشعرنا بالقلق، واليوم يبدو أن الإجابات هي المقلقة، وقد ذهبت بعيداً في التنصل من ربق الإحساس بالزمن، وما قذفته من كرات تتدحرج أمام نواظرنا، لتبقينا شهوداً على ما يجري، وشواهد على ما هو آتٍ.
بين هذه المساحات المغفلة من أرومات التاريخ تبدو العقبات جزءاً من تراكمات لم تتوقف عند لحظة ماضية، بل في الغالب تؤسس للحظات قادمة أكثر قسوة، وخصوصاً أن القلق الأميركي يأتي هذه المرة مزنراً بتلك الشواهد التي تبقيها دليلاً دامغاً على ما خفي.
a-k-67@maktob.com
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.