الفيلم الامريكي ((عراق للبيع)) إساءة قصدية للشعب العراقي
كتابات – كريم الوائلي
من بين العديد من الافلام الوثائقية الامريكية ذات الصلة بالشأن العراقي نجد ان فيلم(عراق للبيع) لم تسلط عليه الاضواء بشكل كاف ٍ، وربما يعود الامر الي انه يحتمل عدة قراءات من وجهات نظر مختلفة وفيلم (عراق للبيع) لايختلف عن غالبية الافلام الامريكية المماثلة الموجهة للمتلقي الامريكي في المقام الاول على الرغم من اتخاذها من المواطن العراقي محوراً رئيساً وهي في ذلك تتقصّد تهميشه ، واذا كانت بعض الافلام قد لامست معاناة الشعب العراقي بشكل او بآخر مثل افلام (حطام العراق والحقيقة علي الارض والملوك الثلاثة وبلادي بلادي)، فأن فلم (عراق للبيع) قد اساء كثيراً للشعب العراقي ولكن في المقابل فأن الفيلم الموجه كلياً للشعب الامريكي قد اقتحم عالم الشركات الامنية الامريكية المخيف ، وقد عرض الفيلم في نهايته كيف واجه فريق انتاج الفلم صعوبات يصل بعضها الي التهديد بالقتل ولايجد المتلقي العراقي في الفيلم غير الاساءة له ولذلك لم نعثر علي نسخة للفيلم مترجمة للعربية لأنتفاء الضرورة على ما يبدو ، وقد اعتمدنا في عرضنا علي النسخة الامريكية ويأتي هذا علي خلاف الافلام المشار اليها آنفاً حيث وجدناها مترجمة واغلب الظن ان الجهة المنتجة لاتري حاجة في ترجمته للعربي كونه غير منصف للعراق اولا واستخدامهم مجرد كتل تعزز الثيمة ثانيا كما سنري لاحقاً غير ان المشاهد العراقي اذا تسني له مشاهدة الفيلم ربما يتمني ان ينتج فيلم عراقي مماثل له وفي الجرأة نفسها في الكشف عن الفساد الاداري والمالي المستشري في العراق
الفيلم يتناول موضوع الشركات الامريكية العاملة في العراق وبشكل خاص الشركات الامنية وهي عموماً ساندة للجيش الامريكي عدا الانتهاكات التي حصلت في سجن (ابي غريب) فأن الفيلم يعرض الاساليب الانحطاطية للشركات في تعاملها مع العاملين معها من المواطنين الامريكيين، ولان هذا لايهمنا كثيراً فأننا سنركز علي المشاهد التي تلامس الشأن العراقي ، ومع اننا لم نستدل علي عائدية الاموال المبددة والتي اتخمت جيوب الشركات الامنية الامريكية كما شاهدنا في الصورة البيانية الملحة بالفيلم والتي تشير لتنامي الارباح السريع الا ان عنوان الفيلم (عراق للبيع) يستشف منه عائدية الاموال ، ان مجرد الاقرار بحقيقة ان العراق للبيع يعني وجود طرفين في المسألة ولتحديد ذلك يتعين علينا الاشارة الي المستفيد والمتضرر، فهناك قوات امريكية محتلة موجودة علي ارض العراق وتقوم بتوفير الظروف المناسبة لنشاط الشركات الامريكية وفي الجانب الآخر هناك الشعب العراقي الذي ظهر في الفيلم كما لو انه خارج سياق مصالح بلاده لكن الانساق التي عرضها الفيلم توحي للمشاهد العراقي انه مجرد سلعة رخيصة .
ان وتحديد البائع يحتاج الي بحث وتقص ٍ في التقنيات الاخراجية وحتي في زاوية رؤية الكاميرا حيث تبدأ مشاهد الفيلم بعرض لقطات لحرب سابقة (بالاسود والابيض) خاضتها الولايات المتحدة تليها لقطات لدخول القوات الامريكية الي العراق دون الاشارة الي الاهداف المعلنة او الي الاعمال المسلحة وتظهر هذه اللقطات عدم اهتمام المواطن العراقي بوجودها وقد وجهت الكاميرا بزاوية رؤية من الاعلي في لقطات (كلوزآب) لتعطي للمشاهد احساساً بهيمنة القوة الغاشمة علي كامل (الكتلة) التكوين الظاهر علي الشاشة وهذا النوع من اللقطات خصت بها المشاهد التي يظهر بها الجانب العراقي فقط وقد صاحبتها مؤثرات صوتية مهينة سنشير لها في مكان لاحق من المقال .
يظهر لنا الفيلم معاناة اسر الموتي من المستخدمين الامريكيين ومنهم اسر الذين قتلوا في الفلوجة وقد صاحب تلك المشاهد موسيقي تصويرية للآلات الوترية لتعطي انطباعاً بالشجن والاسي وقد اوحت المشاهد ان الطرف المعتدي هو الادارة الامريكية ممثلة بالشركات الامنية العاملة معها والمعتدى عليه هو المستخدم الامريكي الذي زجته ادارته في مفازات يجهلها الي جانب جشع المقاولين ويأتي ذلك في تجاهل لمعاناة المواطن العراقي وفي جانب آخر يظهر الشهود الامريكان الذين يدلون بشهاداتهم في لقطات فارغة من الكتل ما عدا حاجزاً معتماً في اشارة الي غموض التحركات المريبة والغامضة للشركات الامريكية الامنية في حين يظهر الشهود العراقيون في لقطات مزدحمة بالكتل في اشارة الي الاحساس بالاختناق والضيق . وفي مشاهد اخري تظهر اسر الموتي الامريكان وهم يلجأون الي الكنائس للتنفيس عن احزانهم وحاجتهم الي فضاءات روحية وسط ايقاع دق النواقيس والموسيقي الهادئة في ممرات مؤثثة بالزهور والتحف وقد بدا علي مظهر رواد الكنيسة الوقار والخشوع وفجأة تدخل الكاميرا الي مشهد خارجي يظهر فيه عراقيون يدخلون الي احد الجوامع المعروفة في بغداد وهم متوترون وغاضبون ويحيطون برجال دين من مكوّن طائفي واحد ، ثم تنتقل الكاميرا الي مشهد داخلي ومن زاوية رؤية اعلي لعدد كبير من المصلين وقد بدت احذيتهم وهي من النوع الذي يستخدم داخل البيوت والحمامات اعلي من مستوى رؤوسهم وبدلاً من اصوات التكبير المصاحبة عادة للصلاة او صوت الامام الذي يؤم المصلين يتعالي صوت اجش لقارئ مقام عراقي (من علم الخود ضرباً بالنواقيــس) في دلالة مباشرة يراد منها التحقير .
وفي مشاهد اخري يظهر فيها اطفال بأوضاع رثة وشوارع مزدحمة بالنفايات والسيارات القديمة والباعة الجوالين كما يظهر المارة وكأنهم مصابون بالغثيان جراء البطالة السافرة او المقنعة وغير عابئين بالآلة العسكرية العملاقة التي تهيمن علي المشهد كاملاً وفي غياب تام للهوية العراقية .
ان المحصلة التي يخرج بها المشاهد لفيلم (عراق للبيع) هي ان هناك تعاطفاً مع المواطن الامريكي وانتقاداً حاداً للادارة الامريكية وفي المقابل كان هناك احتقارا للمواطن العراقي الذي ظهر في الفيلم مغفلاً غير مهتم بشؤون بلاده ومصاباً بالغثيان وفاقداً للرشد مع تهميش للرموز الوطنية والثقافية ومعالم الحضارة العراقية . وعود علي بدء، نجد ان السؤال ما لازال مطروحاً عن الجهة البائعة للعراق ولكي نستدل علي ذلك نستحضر قول الناقد الفرنسي المعروف كريستيان متز (من الصعب تفسير الفيلم لانه من السهل فهمه)!! .