The Animated Libyan Sands

<--

«من ليبيا يأتي الجديد». المؤرخ الإغريقي هيرودوت (القرن الخامس قبل الميلاد)

قد يشرد الذهن إلى قصص الثوار ومكافحة الاستعمار ومناكفة جبروت الطليان، وعلو همة الزعيم عمر المختار عندما يسمع المرء اسم ليبيا، ولكن قبل ذلك بفترة طويلة وبين عامي 1801 ـ 1804 استطاعت البحرية الليبية بقيادة قائد طرابلس توجيه ضربة للقوة الصاعدة في أميركا في حرب الأعوام الأربعة وأسر المدمرة فيلادلفيا وإلزام أميركا بدفع الجزية لطرابلس في معاهدة هي الأكثر إذلالاً في تاريخها حسب المؤرخ الاميركي غلين تكر.

ليبو كما ظهر اسمها في النقوش المصرية القديمة، وليبوس كما يسميها اليونانيون القدماء وليبيا في العربية، بلد قديم عمره خمسة آلاف عام، كانت أرض خصبة لخيال الإغريق العاشق للأساطير، قال فيها هيرودوت المعروف بـ «أبو التاريخ» بعدما زارها في القرن الخامس قبل الميلاد «ليبيا أقرئك من الجبهتين وأعشقك من كل الجهات.»

«من ليبيا يأتي الجديد». مقولة تنطبق على حال ليبيا الحالي لكن بشكل كارثي، فقد كان جديد ليبيا أن تم حكمها لأربعة عقود من قبل زعيم فرد يعتقد أنه اختزل العقل البشري في عقله واستخف بالآخرين وبآرائهم فرآها تافهة وسطحية، فاستبد بالحكم لأعوام طويلة رغم المآسي والكوارث والفرص الضائعة التي مرت على بلده. والآن ارتفع صوت المعركة وغلت دماء الثوار تطالب بتنحيته وإزاحته عن حكم البلد الشاسع بمساحته والغني بثرواته.

الأمر الخطير هو وجود توجهات دولية لقوى ذات خلفية استعمارية وانتهازية لاستغلال الصراع المأسوي الحالي في ليبيا بين القذافي ومناوئيه للتدخل هناك خدمة لأطماع هذه القوى على حساب الشعب الليبي واحد المؤشرات على هذه الرغبة بالتدخل وجود تقارير لاقتراب سفن حربية غربية من السواحل الليبية، والتلويح الأميركي بالخيارات كافة مما يعنى وجود الخيار العسكري، وأحد الشواهد هو تمكن المعارضة الليبية من أسر بريطانيين عدة ادعوا أنهم ديبلوماسيين بجوازات تمثل أربعة دول ومسنودين بقوات خاصة بريطانية!

بريطانيا بررت وجود الديبلوماسيين بمهمة ديبلوماسية للاتصال بالمعارضة، وأن القوات الخاصة كانت لحماية الديبلوماسيين، لكن المعارضة الليبية أخرجتهم من البلاد لأن وجودهم يضر أصلاً بالمقاومة الشعبية. وبإمكان المرء التساؤل ما هو المسوغ القانوني والسياسي، وما هي شرعية وجود هذه القوات وهؤلاء الأشخاص في الأراضي الليبية حتى دون تنسيق مع المعارضة الليبية؟

لا شك أن القوى الغربية تحاول استغلال الصراع المسلح في ليبيا للتوغل في هذه الأرض ولو بشكل غير مباشر لأن التدخل المباشر للقوى الغربية في الظرف الحالي صعب جداً وذو كلفة عالية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، والقوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة مازالت تنزف في أفغانستان والعراق ومن جراء الأزمة المالية العالمية. القوى الغربية ذات النزعة التسلطية والاستغلالية تسعى لإيجاد موطئ قدم في ليبيا التي تربط البحر المتوسط بأفريقيا وتربط مشرق الشمال الافريقي بغربه. طبعاً الغرب يحتاج في هذه اللحظة التاريخية الحرجة أن ينشا له موطئ على رمال ليبيا المتحركة والساخنة في أغلب الأحيان. حاجة الغرب أصبحت أكيدة بعد خسارته للحليف الإستراتيجي الكبير المتمثل في نظام حسنى مبارك، وفقدانه من قبل لحليف آخر غرب ليبيا متمثلاً في نظام زين العابدين بن علي. لذلك تحتاج هذه القوى أن تحشر نفسها في ليبيا بين مصر وتونس، أو على الاقل أن تخلق حالة تخدم سياسة هذه القوى بطريقة تشكل عنصر ضغط وحتى ابتزاز للنظامين الجاري تشكيلهما في كل من مصر وتونس.

لا تعني الرغبة الغربية المستترة في لعب دور أكبر في ليبيا أن الثوار الليبيين هم المسؤولون عن أي تواجد غربي يأخذ شكلا مباشرا أو غير مباشر في الأراضي الليبية، لكن المسؤول الأول والأخير هو نظام القذافي، والقذافي بشخصه الذي استبد بالحكم طيلة عقود أربع، قام خلالها بأمور عبثية لا يمكن تبريرها والتي بدورها أضرت كثيراً بليبيا وبمقدراتها وحتى سمعتها، ومنها أقدامه واعترافه بارتكاب جريمة طائرة لوكيربي النكراء ثم دفعه مبالغ باهظة من أموال الشعب الليبي تعويضاً عن جريمته الوحشية، وانشاؤه أيضاً لبرنامج أسلحة الدمار الشامل ثم التنازل عنه مضحياً بسمعة ليبيا وبأموالها أيضاً، وحتى أن النظام تنازل بعد ضغط أوروبي عن الممرضات البلغار المتهمات بتلويث دماء ما يقارب أربعمئة طفل ليبي بفيروس الايدز القاتل، متجاهلاً أحكام قضائه وأرواح أطفال ليبيا المساكين.

هذه الورطة التي أصبحت فيها ليبيا وعمق المأساة الإنسانية التي تعيشها بسبب القتال الضاري، تتطلب بالدرجة الأولى يقظة المعارضة الليبية بالمحافظة على استقلال ليبيا واستقلال قرارها المستقبلي وان كان هناك من تدخل خارجي مطلوب، فإنه يجب أن يكون تحت غطاء وأدوات عربية ودولية مستقلة حتى لا يتم استغلال الأزمة الليبية بامتداد يد الأجنبي مرة أخرى لليبيا والعبث بمقدرات ومستقبل وأمن الشعب الليبي.

كمال علي الخرس

كاتب كويتي

About this publication