America and the Arab Democracy Change

<--

أمريكا والتغيير الديمقراطي العربي

معروف أن الولايات المتحدة تعلن دعمها للتوجهات الديمقراطية والمطالب الديمقراطية بصفة عامة، ولكنها عادة ما تستخدم ورقة الديمقراطية وفق مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، فقد تكون مناوئة ومعارضة للتوجهات الديمقراطية والمطالب الديمقراطية في أوضاع تمثل فيها هذه التوجهات والمطالب أي تهديد لمصالحها المتمثلة في بقاء الأوضاع على ما هي عليه .

وقد يكون ذلك غير مستغرب، إذ إن السياسة في مجملها ترتكز على المصالح .والمفاهيم الحضارية المعاصرة التي تتمثل في الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، يتم الإعلان عن أهميتها وجدارتها وقيمها ورفع شعاراتها والتغني بمفاهيمها، ولكنها قد يتم تجاهلها وإغفالها، وصرف النظر عنها حين تقتضي المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية ذلك .

ولذلك فإن ما قامت به الإدارة الأمريكية السابقة من غزو واحتلال للعراق، كان أحد مبرراته إزالة الدكتاتورية ونشر الديمقراطية، بل التلويح بنشرها في المنطقة مع أنها دعمت دكتاتوريات عديدة حينما اقتضت مصالحها ذلك، وما تزال حريصة على هذا النهج ولا يمكن بأي حال من الأحوال الوثوق بأي سعي من الولايات المتحدة لنشر الديمقراطية أو دعم المطالب الديمقراطية، إلا إن كان هناك وضع لا ترى فيه تناقضاً بين هذه التوجهات والمطالب . . وبين مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية .

ولعل فوز حماس قبل سنوات في انتخابات يفترض أنها حرة ونزيهة وتمت تحت إشراف دولي ورقابة دولية قابلته الإدارة الأمريكية بالرفض والإسقاط .وقد خففت الإدارة الأمريكية الحالية من غلواء الإدارة الأمريكية السابقة التي بشرت بنشر الديمقراطية في المنطقة في منصة غزو العراق واحتلاله، وجاء خطاب أوباما في القاهرة ليعلن أن الولايات المتحدة لا تفرض نهجها الديمقراطي على أي دولة، ولكل دولة أن تختار النهج الديمقراطي الذي يناسبها، ولكنها تظل محبذة للديمقراطية، ومبشرة بها، وداعية إلى نشرها .

وحين انطلقت الثورة الشعبية العربية كان الموقف الأمريكي في البداية غير داعم لها، رغم المطالب الديمقراطية التي أفصحت عنها مغلبة مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، ولكنها حاولت أن تتراجع في مواقفها وفق بوصلة الواقع المتحرك في الشارع لكيلا تخسر الجولة هذه المرة، إذ لم تجد بداً من التعاطف مع الثورة الشعبية ضماناً لمصالحها في نظرة للمستقبل الذي أخذت ملامحه تتشكل في الشارع . ويبدو أنها استفادت من دروس سابقة كان دعمها للنظام القائم في بعضها راسخاً ومتواصلاً حتى وهو يتجه نحو السقوط، وآلت الأوضاع إلى حد أصبح فيه النظام المستجد على عداء مع الولايات المتحدة كما هو الحال في إيران .

ومن المفارقات الصارخة أن الولايات المتحدة غزت العراق ودمرته وخلفت ملايين الضحايا والمشردين، في سبيل تحقيق غايتها المعلنة، وهي نشر الديمقراطية .وجاءت الثورة الشعبية العربية الجديدة، بصفحة بيضاء سلمية نابذة للعنف، وحققت في فترة وجيزة ما عجزت عن تحقيقه الدبابات والطائرات والقنابل الأمريكية التي ضربت العراق، وانتهكت حقوق الإنسان، ومارست الجرائم، وخلفت ملايين الضحايا والمهجرين، في سبيل تفصيل ديمقراطية وفق مقاسات هواها، وهوى سياساتها واستراتيجياتها ومصالحها .

ومعروف أن الرهان على الولايات المتحدة لتحقيق مطالب ديمقراطية هو رهان خاسر أصلاً، لأن هناك بوناً شاسعاً بين ما تتغنى به الولايات المتحدة من مفاهيم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وبين ما تمارسه على صعيد الواقع ارتكازاً على مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية .

وبديهي أن الولايات المتحدة ستكون مناهضة لأي ديمقراطية، أو توجه ديمقراطي تتوجس فيه نبرة معارضة لمصالحها، أو غير داعمة لمصالحها السياسية والاستراتيجية . وبالطبع فإنه في هذا السياق لابد أن تكون مصالح الولايات المتحدة الأمريكية هي البوصلة الحقيقية لدى دعمها للمطالب الديمقراطية في أي دولة أو مناهضتها وهي الميزان الذي يحكم على مدى الجدارة بالديمقراطية، أو عدم الجدارة، وهو الذي يحدد مدى استحقاقها للدعم أو عدم استحقاقها له .

وفي كل الأحوال فإن مثل هذا السلوك السياسي يجب ألا يكون مستغرباً .والمصالح السياسية والاستراتيجية للولايات المتحدة أكثر أهمية من مطالب الديمقراطية في أي دولة .لا ضير أن تتوافق المصالح مع هذه المطالب فيأتي الدعم والمساندة .ولا ضير أيضاً أن تتعارض المصالح مع هذه المطالب، فيأتي الرفض والإسقاط .وهذا هو المفهوم السياسي السائد حتى لو ظلت مفاهيم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان مفاهيم حضارية تحرص الولايات المتحدة أن تكون حاضرة على أرضها، ولكنها ليست بالضرورة حريصة على أن تكون على أرض خارج الحدود، إذ تتحول حينئذٍ إلى ورقة على طاولة المصالح تحظى بالدعم، إن توافقت معها .ويأتيها الرفض القاطع إن تعارضت معها والسعي الجامح إلى الإجهاز عليها، أو اختطافها وتحويل مسارها لتحقيق مصالحها .

About this publication