العراقيون يرفضون بقاء القوات الامريكية بعد نهاية هذا العام
كتابات – عبد الاله النصراوي
* المتحدثون عن المخاطر الداخلية والخارجية اهملوا تسليح الجيش وهم في اعلى السلطة
* الفساد والرشوة حالا دون امتلاك العراق طائرة مقاتلة واحدة !
* دولة المؤسسات المدنية لا تبنى على اسس المحاصصة والطائفية
* للحفاظ على الأمن لابد من الوحدة الوطنية التي تتطلب مصالحة وطنية جدية
مع اقتراب تنفيذ الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة القاضية بسحب القوات الامريكية من العراق بنحو كامل في نهاية عام 2011، كثر الجدل على الساحة السياسية العراقية ، بين الحكومة والكتل السياسية وعموم الشارع العراقي، وقد تركز الجدل حول امكانية الابقاء على بعض تلك القوات بعد الموعد المحدد، الامر الذي يناقض نصوص الاتفاقية من ناحية ويثير في الوقت نفسه استياء واستنكار غالبية الشعب العراقي التواق للتحرر من ناحية ثانية ..
بطبيعة الامر فإن إثارة هذا الموضوع الذي جاء مترافقاً مع موعد الانسحاب الكامل يستدعي العودة الى سنوات مضت لمعرفة حقيقة ما يجري حالياً ، فمن المعروف أن الولايات المتحدة عندما دخلت العراق في نيسان عام 2003 أقدمت على حل جميع مؤسسات الدولة العراقية وفي مقدمتها الجيش ، وكان تصورها وحتى عام 2005 أنها قد شلّت بقرارها هذا حركة الجيش العراقي وقدرته على القيام بانقلابات كما كان يحدث سابقا ، أو قيامه بالتأثير في الحياة السياسة الداخلية .
وفي بداية التغيير رفضت القيادة الامريكية للعراق العودة لتأسيس الجيش العراقي بل انها ألغت وزارة الدفاع، وكما يقول البروفيسور (أندروا تيريل) من معهد الدراسات الستراتيجية في كلية الحرب التابعة للجيش الاميركي، فإن الولايات المتحدة الاميركية لم تكن راغبة في بناء جيش عراقي قوي ، ولكنها وبعد الضغوط الداخلية في اميركا والعراق والخسائر التي تكبدتها في الافراد والمعدات أعادت النظر بموقفها هذا ، وبخاصة بعد نهاية مفعول القرار 1483 ، مما أتاح المجال للعراق في التعاقد مع الدول الاخرى لاعادة بناء القوات العسكرية من جديد .
لقد بات من المؤكد أن الرئيس الامريكي اوباما يعتزم بنحو حازم سحب قواته من العراق في نهاية العام الجاري ويرفض اي تمديد لها ، مع مراعاة الابقاء على عدد محدود من العسكريين وبعض الشركات الامنية الاهلية لحماية السفارة الامريكية في بغداد والقنصليات الاربع التي فتحتها في محافظات أخرى، وربما الابقاء ايضاً على بعض الخبراء العسكريين لاغراض التدريب ولكن هذا يختلف كلياً عن قضية بقاء الآلاف من القوات العسكرية الامريكية .
ومن المعروف ان الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2005 سعت للتعاقد على صفقات أسلحة حديثة للجيش ، ولكن الذي حدث هو الفشل الذريع لأول محاولة لشراء طائرات هليكوبتر من طراز “مي 8 ام تي في” بالتعاقد مع بولونيا، ومن الغرابة ان تمنح وزارة الدفاع العراقية هذه الصفقة التي تبلغ قيمتها مليار و127 مليون دولار لشركة وهمية عراقية تدعى ” شركة العين” رأسمالها 50 الف دينار فقط !!.. لقد اكتشف العراقيون هذه الفضيحة التي تشير الى حجم غير معتاد من الفساد ، فبعد ان دفعت وزارة الدفاع قيمة الصفقة باكملها اكتشفت ان الطائرات المعنية استنفذت عمرها الافتراضي ومضى عليها 28 سنة في الخدمة، وبالتالي فهي من الخردة وغير صالحة للاستخدام، وهكذا بفعل الفساد والسرقات ضاعت مبالغ الصفقة الاولى كما حرم العراق من الطائرات .
ولم تتوقف مساعي العراق لتطوير مؤسساته الامنية والعسكرية، وبخاصة بعد ان ازدادت بنحو كبير المسؤوليات الامنية لحماية الوطن والمواطن، لذلك جرى التركيز أولا على بناء قوات كبيرة امنية وعسكرية وتدريبها وتسليحها ، حتى أصبح منتسبو الداخلية مثلاً يبلغون الـ 650 ألف فرد ، ويصل عددهم المليون فرداً اذا أضيف اليهم أفراد الجيش الذين يقومون بالمساهمة في حماية الامن الداخلي ، ولا شك ان هذا الرقم كبير جداً ويضاهي أعداد الجيوش في العديد من الدول الأوروبية ، ومن المؤسف ان المسؤولين لم يتخذوا خطوات حقيقية لبناء قوة بحرية أو جوية، الامر الذي يجعل من هذا الجيش فاقدا للغطاء الجوي وعاجزا على توفير الحماية البحرية للوطن .
وعلينا ان نعترف بداية ان سياسة عدم المحاسبة ومعاقبة المفسدين والمرتشين شجعت على استمرار هذه الظاهرة في مجالات أخرى ، وشهدت مجالات أمنية عدة عمليات غش واحتيال وشراء مواد مستهلكة وغير صالحة للاستعمال وامثلة ذلك كثيرة ومؤلمة . وكما هو معروف فإن ذلك كله يعرقل عمليات بناء جيش حقيقي قادر على الدفاع عن الوطن بشكل فعلي ..ونتساءل بكثير من المرارة : هل من المعقول أن العراق الذي كان يمتلك 600 طائرة مقاتلة وآلاف الدبابات في الثمانينيات هو الأن لا يمتلك اليوم طائرة مقاتلة واحدة ؟
وعودة الى بدء فإن موضوع انسحاب القوات الاميركية في موعدها غير قابل للمساومة ولا يمكن المجادلة فيه ، وان الذين يلجأون الى ذلك يتحدثون بالعلن عن ضرورة الانسحاب بالكامل ويزايدون على الآخرين في مواقفهم ، وقد كشفهم شعبنا لأنهم منافقون ولا تهمهم مصلحة العراق العليا بقدر ما تهمهم مصالحهم الخاصة والاستمرار في نهب العراق ، فالاتفاقية واضحة وموعد الانسحاب الاميركي ثابت وشعبنا لن يقبل بغير ذلك ، والحل السليم لكل الأمور وسد الثغرات هو في تحقيق الأمن الذي لا ينعزل عن السياسة ، فالترابط قائم بينها ولا يتم الامن من غير المصالحة الحقيقية.
أما الذين يتحدثون عن الخطر الخارجي فهم لا يستطيعون بناء جيش ولن يبنوه حتى بعد عشرات السنوات ، لأن البناء لا يقام على اسس المحاصصة والطائفية التي يتمسكون بها ، ومن حق شعبنا أن يتساءل : أين كان هؤلاء مما يطلبون به اليوم عندما كانوا يتحملون المسؤولية ويديرون دفة السلطة؟ ألم يكونوا يعلمون بهذه المخاطر ، فإن علموها وهم الحاذقون فما هي الخطوات العملية التي اتخذوها لمواجهة هذا التحدي الذي يجاهرون اليوم بالتحذير منه ؟
لقد قلنا منذ بداية التغيير وما زلنا نكرر إن المدخل الحقيقي للحفاظ على الأمن في البلاد هو في الوحدة الوطنية التي تتطلب مصالحة جدية، وتلك لا تقوم على المهرجانات واللقاءات البروتوكولية والتبعية ، بل تقوم على دمج الجميع في العملية السياسية ، والكف عن سياسة الاستحواذ على كل شيء والاقصاء، وذلك لأن البلد للجميع ، ولابد من بناء دولة القانون والمؤسسات، دولة مدنية ديمقراطية تقيم العدالة وتساوي بين العراقيين جميعاً ، وبهذا الطريق وحده نستطيع بناء مجتمع محمي وجيش قوي يستطيع أداء مهماته الوطنية الدفاعية .
وربما ينبغي التذكير اخيراً بحقيقة إن من يريد الاقدام على أية خطوة لاعادة النظر في الاتفاقية الامنية المعقودة بين العراق والولايات المتحدة الاميركية، وبما يغيّر من حتمية انسحاب القوات الاميركية في الموعد المقرر ، فأنه يتحمل مسؤولية كبرى أمام العراقيين الذين يتطلعون الى بناء وطن خال من أي شكل من أشكال التبعية والوجود الاجنبي، ويحكمه أبناؤه على أساس من العدالة والديمقراطية ومشاركة الجميع في تحمل المسؤولية الوطنية ورفض أي شكل من أشكال الاستئثار .
* الامين العام للحركة الاشتراكية العربية
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.