لماذا تخلى الغرب عن الأسد?
تتحدث مراكز الدراسات الستراتيجية عن تحول كبير في الموقفين الاوروبي والأميركي من الثورة السورية نتيجة لأسباب عدة منها الممارسة القمعية للنظام وتكشف قضية الطفل الشهيد حمزة الخطيب مدى انزلاق ذلك النظام وترديه الى اسفل السافلين. فلقد استخدم القوة المفرطة في درعا, واستخدمها في حمص وبانياس ويستخدمها في جميع الانحاء حيث هناك تقارير مؤكدة تفيد بإطلاق قذائف, بادئا مرحلة جديدة من القمع, وأننا ربما نقترب بصورة أكثر من أحداث فبراير عام 1982عندما قام الجيش بتسوية أجزاء كبيرة من مدينة حماة رداً على ثورتها. وجزئياً يعني ذلك أنهم سيتجهون في مسار يكون عليهم تقريباً تدمير البلاد لإنقاذ النظام. ولم يعد احد يصدق ادعاءات النظام باقامة اصلاح مؤسساتي لانه وفق ما أفادت به صحيفة “نيويورك تايمز” من أنه لو دشن الأسد هذه الإصلاحات فإن ذلك يعني قيامه بنفسه بالقضاء على نظامه. وتتحدر عائلة الأسد من الطائفة العلوية التي تشغل مناصب رئيسة في القوات السرية والجيش, وبالتالي فهي متورطة في القمع. وللوصول إلى حل سياسي يجب أن تكون هناك إصلاحات سياسية لكن هذا يعني تقويض قاعدة الأقلية للحكومة. وهذا هو السبب في أن إدارة أوباما تتخذ حاليا موقفاً أكثر هجومية. وأتى إعلان إدارة أوباما في 18 مايو الماضي حول فرض عقوبات على الرئيس السوري بشار الأسد على وجه التحديد, كبداية لإزالة الضباب الذي خيم على سياسة الولايات المتحدة تجاه هذه الدولة المحورية منذ اندلاع الثورة الجماهيرية فيها في منتصف مارس الماضي .
ويبدو ان الرئيس اوباما قد اقتنع بوجهة نظر تلك المدارس الستراتيجية التي انهت تماما حجة عدم الاطاحة بالشيطان الذي يعرفونه . فهم قدموا له الحجج الدامغة لانهاء اسس تلك المزاعم ومزقونها اربا اربا : وكانت حجج الشيطان “الذي نعرفه” تتمثل في الاتي وفق تلك المدارس الغربية الفكرية :
الأسد كيان معروف وحاكم حذر ضَمِن نوعاً من الاستقرار طوال فترة حكمه وان البديل الأكثر احتمالاً للأسد هو معاودة ظهور جماعة “الإخوان المسلمين” السورية, التي قد تنقل الدولة العلمانية الحالية إلى نظام سني راديكالي متعصب يمثل خطورة بالغة.
وانه بعد الأسد سيسود الاضطراب. وقد يؤدي زوال نظام الأسد إلى إطلاق العنان للانقسامات الطائفية العميقة في سورية, واخيرا فان الفوضى التي قد تعم سورية بعد الأسد قد تفتح الباب أمام كابوس أسلحة الدمار الشامل وهي: إما استخدام الإمدادات الهائلة من الأسلحة الكيماوية لدى سورية من قبل فلول النظام الفاسدين أو خلفائه الأكثر استهتاراً, وإما نقل هذه المخزونات إلى “حزب الله” أو منظمات إرهابية أخرى.
تم هدم تلك المزاعم كلها واحدة تلو الاخرى بطريقة منطقية وعقلانية تتمثل في الاتي: ان الوهم بشأن كون الأسد قوة للاستقرار: يقولون من الصعب تخيل ظهور أي خليفة متصور للأسد ينتهج سياسات أكثر إثارة للمشكلات والإزعاجات منه. وان التاريخ يظهر أن النظم في المرحلة ما بعد الانتقالية تميل إلى أن تكون مشغولة بالمشكلات الداخلية ومن ثم فإنها لا تنتهج سلوكاً معادياً تجاه جيرانها بمعنى ان النظام الجديد سيستمر في سياسة الاسد بالابقاء على الوضع في الجولان المحتل . وان الجيش السوري سيركز في ظل خليفة الأسد على ضمان الأمن الداخلي, بدلاً من السعي إلى الانخراط في مغامرات خارجية قد تدفع سورية عنها ثمناً باهظاً. نظرا إلى تباين امكانيات القوة العسكرية بين سورية واسرائيل فالاسد اضعف الجيش وحول مهمته من حماية ارض الوطن الى حماية النظام ولذا فاني ارى ان الجيش السوري لم يقل كلمته بعد . كما انهم يستبعدون تماما أن يقوم زعيم سني بالحفاظ على علاقات الأسد الوثيقة مع إيران الشيعية و “حزب الله”.وفي هذا ميزة اضافية للاطاحة بالاسد.
وبالنسبة الى فزاعة جماعة “الإخوان المسلمين” السورية, يرون ان “الشيطان الذي لا نعرفه” من الطائفة السنية, وبالمقارنة مع الأسد, من المحتمل أن يكون أكثر علمانية واعتدالاً من الناحية السياسية. ومع ذلك, إذا افترض , من باب الجدل, أن جماعة “الإخوان المسلمين” السورية وهي حركة ضعيفة نسبياً في سورية حيث قُتل العديد من أعضائها أو وُضعوا في سجون الأسد, وما تبقى منهم يقيم خارج البلاد سوف تهيمن على النظام الجديد, فمن المرجح أن تكون تلك الحكومة أقل إثارة للمشكلات من نظام الأسد. علاوة على ذلك, هناك أغلبية علمانية في سورية.
اما بالنسبة إلى ذريعة خطر الانهيار الداخلي عقب الأسد وبأن “الحرب الأهلية أمر لا مفر منه” فإن سورية أقل حساسية للتوترات العرقية والتطرف الديني.
اما بالنسبة إلى الخوف من أسلحة الدمار الشامل فانهم يقولون ان سورية تحتفظ بترسانة من الأسلحة الكيماوية يصفونها بانها مثيرة للقلق, كما انه ينبغي عدم المبالغة بتهديدات أسلحة الدمار الشامل “غير الخاضعة للسيطرة”. ويشير هذا التحليل إلى أنه لا ينبغي على القوى الغربية أن تخشى من اتخاذ إجراءات أكثر حزماً لدعم معارضي النظام في سورية.
ان مفتاح التغيير في الموقف الاميركي والاوروبي يتمثل في وضوح الرسالة المبعوثة إلى سورية. يتعين على الرجال الملتفين حول الأسد وضباط قيادة الجيش وطبقة التجار السنة والمتظاهرين الشجعان أن يعلموا جميعاً أن الخيار الأفضل هو “رحيل الأسد”.
خبير مصري بالشؤون السياسية والستراتيجية
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.