.
Posted on June 7, 2011.
قراءة في خطابي أوباما
27 مايو, 2011
عوني فرسخ
في تناول الرئيس الأمريكي باراك أوباما قضايا الصراع العربي – الصهيوني لم يخرج في ما قاله أمام مؤتمر “إيباك” اليهودي عما تضمنه خطابه الذي وجهه للشعوب العربية في19/5/2011 مستعرضاً فيه رؤى إدارته تجاه ثورات التغيير العربية . ومع أنه كان يتحدث في زمن الربيع العربي الذي فرضت فيه الشعوب العربية حضورها على المسرح الدولي، إلا أنه لم يخاطبها في ضوء معطيات الواقع باعتبارها عربية اللغة والثقافة وشعور غالبيتها العظمى بانتمائها العربي، إذ لم يأت على ذكر عروبتها وإنما خاطبها بصفتها شعوب “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” . في دلالة واضحة لتنكره وأركان إدارته ومستشاروه لانتمائها القومي ومعطيات واقعها، وبالتالي افتقار الموضوعية في التعاطي مع مستجدات الواقع العربي، خاصة في ما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني، كما يتضح بالوقوف مع أبرز ما قاله وسكت عنه في خطابيه .
فهو عندما يصف الكيان الصهيوني بأنه دولة “يهودية ديمقراطية” يتجاهل عامداً أن الدولة حتى تعتبر يهودية قاصرة على اليهود فقط لا تخرج عن كونها دولة عنصرية غير ديمقراطية . فضلاً عن تجاهله المتعمد لواقع الكيان حيث يبلغ المواطنون العرب 18%، ما يؤشر لتبنيه موقف الغلاة الصهاينة في تنكرهم لحقوق ما يجاوز مليوناً وثلاثمئة ألف مواطن عربي، هم وحدهم أصحاب الوجود الطبيعي والتاريخي في الكيان في افتئات مفضوح على أبسط المفاهيم الديمقراطية . علاوة على أن المساس بوجودهم في أرض آبائهم وأجدادهم تطهير عرقي وعنصرية مرفوضة في الزمن المعاصر ما يعني أن تواطؤ أوباما بتبنيه فكرة “الدولة اليهودية” يدرجه بوعي منه أو لا وعي ضمن دعاة العنصرية المدانة عالمياً .
ولا شك أن الرئيس أوباما يعلم علم اليقين أن إسرائيل تمتلك ترسانة ذرية، وأقوى جيش في الإقليم العربي الذي أقيمت فيه رغم إرادة شعوبه، كما تمتلك أحدث الأسلحة وأفتكها وجهاز استخبارات عالمي الانتشار، وشبكة واسعة من العملاء في معظم الدول العربية، إن لم يكن فيها جميعها، وذات تاريخ متواصل من العدوان على المحيط . وبرغم ذلك يكرر الحديث عن التزام إدارته غير المحدود بأمن “إسرائيل” .
ولا أحسبن الرئيس الأمريكي يجهل أن الإدارات الأمريكية السابقة كانت صاحبة الدور الأول في قراري مجلس الأمن 242 و338 القاضيين بانسحاب “إسرائيل” إلى حدود الرابع من يونيو/حزيران ،1967 كما بقرارات الأمم المتحدة بعدم مشروعية ضم القدس والاستيطان في أي جزء من الأرض المحتلة عام 1967 . وبمخالفة الاستيطان في الأرض المحتلة للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 . ومع ذلك يربط انسحاب قوات الاحتلال الصهيوني بما ينسجم مع مسؤولية قوات الأمن الفلسطينية، وبالتالي تحميله المحتل ترابهم الوطني مسؤولية تعنت سلطة الاحتلال في تنفيذ القرارات الدولية .
ويقيناً إن الرئيس أوباما يعرف أن ليس في التاريخ وعالم اليوم دولة “منزوعة السلاح” . وحين يشترط ذلك على “الدولة” الفلسطينية يفقدها أول مقومات السيادة واستقلالية القرار . ثم إنه عندما لا يأتي على ذكر المستعمرات الاستيطانية التي تمزق الضفة الغربية المحتلة ولم تبق فيها سوى معازل عربية فاقدة التواصل في ما بينها فإنه بهذا يوافق ضمنياً على أن تكون “دولة” فاقدة وحدة ترابها الوطني .
وكما رفض الرئيس أوباما المصالحة الفلسطينية واعتبرها عائقاً لما يسميه “عملية السلام”، اعترض على عزم السلطة التوجه إلى الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل طلباً للاعتراف بدولة في حدود عام 1967 معتبراً ذلك سعياً لعزل “إسرائيل”، الأمر الذي يرفضه ولا يسمح به . مقيماً بذلك من نفسه قيّماً على الحراك الوطني الفلسطيني، دون أن يأخذ في حسبانه المستجد في الواقع العربي . إذ باتت الشعوب، وخاصة شبابها وصباياها هم أصحاب الدور الأول في صناعة القرار . ولست أدري إن كان مستشاروه قد لفتوا نظره إلى نسبة الشباب والصبايا في المسيرات التي زحفت للحدود مع فلسطين المحتلة في ذكرى النكبة الذي يؤشر إلى انقضاء الزمن الذي كانت الإدارات الأمريكية تأمر أركان الأنظمة العربية ويستجيبون .
والرئيس أوباما يقول لا فض فوه “لن يحقق الفلسطينيون استقلالهم بإنكار حق “إسرائيل” في الوجود” متجاهلاً أن الوجود الصهيوني الذي يطالب الاعتراف بمشروعيته إنما تأسس بعملية تطهير عرقي لما يجاوز ثلثي الشعب العربي الفلسطيني في حرب 1948/ 1949 . ما يعني أن الإقرار الذي يطلبه بحق “إسرائيل” في الوجود يتضمن القبول الضمني بنفي الوجود الفلسطيني .
وهل ينكر الرئيس أوباما أن الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية محتلة، وكذلك كان حال قطاع غزة المحاصر، وأن القانون الدولي يجيز للمحتلة أرضهم مقاومة الغزاة بكل وسائل المقاومة، بما في ذلك الكفاح المسلح . وحماس ما دامت تقاوم الاحتلال فهي حركة تحرر وطني، ولا يضيرها في شيء اتهامه لها بالإرهاب . وأظنه لا ينسى أن آباء التحرير الأمريكيين الذين دحروا الاستعمار البريطاني اتهموا بالإرهاب هم الآخرون .
والرئيس أوباما في ما نطق به وسكت عنه لم يكن إلا ككل رئيس أمريكي سابق يعبر عن إرادة القوى الاجتماعية الأشد تأثيراً في صناعة القرارات الأمريكية . وحين تقرأ مواقف الإدارات الأمريكية منذ أعلن الرئيس ويلسون قبوله بوعد بلفور في 31/8/1918 يتضح أنها تصرفت في ضوء اعتبار المشروع الصهيوني رصيداً استراتيجياً يخدم المصالح الأمريكية الكونية، بحيث إنها جميعها تبنت ادعاءاته التاريخية وطروحاته العنصرية، وتصدت لكل ما يهدد قدراته على أداء دوره الوظيفي باعتبار ذلك يهدد المصالح القومية الأمريكية . وفي ضوء هذه الحقيقة يغدو عبثاً القول إن موقف أوباما خيب الآمال، لأنه لم يكن هناك طوال السنوات الثلاث والتسعين الماضية موقف رسمي أمريكي غير كامل الانحياز للمشروع الصهيوني .
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.