Washington Wanders in Its Afghan Options

<--

ما هي المشكلة الأكبر التي تواجه الرئيس باراك أوباما على صعيد السياسة الخارجية؟ هل هو بروز الصين كمنافس عالمي للولايات المتحدة؟ أم العلاقة الدقيقة مع روسيا التي تبدو غير راضية عن الوضع؟ هل هي محاولة ثني إسرائيل المستعدّة دوماً لشنّ حرب، عن مهاجمة إيران؟ أم إخفاق أميركا في ممارسة الضغوط على إسرائيل من أجل إبرام سلام مع الفلسطينيين، إلى جانب الضرر الذي سينتج من هذا الإخفاق على علاقات أميركا مع العالم العربي، لا سيّما الثوّار الشباب الذين أطلقوا «الربيع العربي»؟

هناك شكّ قليل في أنّ هذه المسائل تشغل بال عدد كبير من الأشخاص في واشنطن. لكن طغت عليها مشكلة أكثر إلحاحاً هي كيفية التصرّف حيال أفغانستان.

تخوض أميركا الحرب في أفغانستان منذ عشر سنوات، ويبدو أن لا نهاية تلوح في الأفق ولا توجد استراتيجية معقولة للانسحاب من هذا البلد. نشر حلف شمال الأطلسي 140 ألف جندي في أفغانستان بينهم 100 ألف جندي أميركي. ومن المقرر أن تستمر العمليات القتالية حتى نهاية عام 2014 إن لم يكن بعده، ما ينذر بثلاث أو أربع سنوات إضافية من المعاناة. لقد قُتل لغاية اليوم 1500 جندي أميركي في أفغانستان فيما جُرح 11500 جندي آخرين.

يعتبر عدد الضحايا هذا مؤلماً إلا أنّه تمّ تسجيل أرقام مذهلة على المستوى المالي وليس البشري. لقد كلّفت هذه الحرب الولايات المتحدة 420 بليون دولار لغاية اليوم (حوالى نصف كلفة حرب العراق المدمرة). وتقدّر فاتورة الحرب في أفغانستان خلال هذه السنة المالية بـ 113 بليون دولار إلى جانب تخصيص مبلغ 107 بلايين دولار إضافي لعام 2012. تعدّ هذه المبالغ طائلة، ولو تمّ إنفاقها على إنشاء فرص عمل، لغيّر ذلك العالم العربي أو أفريقيا. كما كان يمكن أن تحلّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وتزوّد ملايين الأشخاص بمياه الشفة وتستأصل الأمراض إلى جانب حلّ مشاكل أخرى. غير أنه تمّ إنفاق هذه الأموال على حرب لا يمكن كسبها. واعتبر السيناتور جون كيري أنّ النفقات على هذا الصعيد «لا يمكن أن تستمر» لا سيما في وقت تشهد فيه أميركا ارتفاعاً في عجز الموازنة.

وإلى جانب غرائب الحرب الأفغانية، أنفقت الولايات المتحدة 28 بليون دولار لدعم الجيش الأفغاني الذي يضمّ في صفوفه اليوم 350 ألف جندي. وطلبت وزارة الدفاع الأميركية الحصول على 12.8 بليون دولار إضافي لهذه الغاية للعام 2012. لكن، من الذي سيدفع نفقات هذا الجيش المضخّم حين تنسحب الولايات المتحدة من البلد؟ لا يسع أي حكومة أفغانية تحمّل هذا الترف. فهل ستتحمّل الولايات المتحدة عبء تسديد الفاتورة في المستقبل المنظور؟

لا يمكن فصل الوضع في أفغانستان عن الوضع المتردي على طول الحدود مع باكستان، وقد ابتكرت أميركا مصطلح «أفباك» Afpak للإشارة إلى مسرح العمليات بين أفغانستان وباكستان. ويعيش في هذين البلدين، اللذين يملك أحدهما قوة نووية، 200 مليون نسمة معظمهم فقراء ومعادون لأميركا بسبب القتل والدمار اللذين ألحقتهما الحرب بهم. ولا يزال خطر حصول فوضى سياسية واجتماعية على نطاق واسع قائماً.

ويوافق معظم المراقبين في أفغانستان على أنّه لا يمكن حلّ النزاع عسكرياً بل سياسياً. لكن كيف ذلك ومتى ومن الذي سيقترح هذا الحلّ؟ يبدو أنّ إدارة أوباما غير مستعدّة بعد للإجابة على هذه الأسئلة الملحة.

ومن المعروف أنّ نائب الرئيس الأميركي جو بايدن يؤيّد انسحاباً سريعاً للقوات الأميركية من أفغانستان. فهو لم يكن متحمساً لفكرة «زيادة عدد القوات» في بداية المطاف على رغم أنّ أوباما مضى قدماً في ذلك ووافق على إرسال 30 ألف جندي إضافي. أما المستشار البارز الآخر الذي عبّر أمام أوباما عن شكوكه حيال فكرة الحفاظ على مستويات قوة عالية في أفغانستان فكان الجنرال في سلاح البحرية جيمس كارتوايت. وقد أُعجب به أوباما وكان ينوي تعيينه مكان الأدميرال مايك مولن الذي يشغل منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة.

إلا أنّه تمّ استبعاد كارتوايت بعد أن أخطأ في حمل نصيحته مباشرة إلى الرئيس من دون إعلام الأدميرال مولن ووزير الدفاع روبرت غيتس اللذين يؤيدان بشدة زيادة عدد القوات. ويبدو أنّ الجنرال مارتن ديمبسي الذي يشغل حالياً منصب رئيس أركان الجيش الأميركي سيتبوأ منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة أي سيكون عملياً المستشار العسكري الرئيسي للرئيس. لقد دفع كارترايت ثمن خطئه كما أنه سيتقاعد.

وكان الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات في أفغانستان المؤيد الأبرز لـ «زيادة عدد القوات». وكان يأمل بأن يحقّق في أفغانستان النجاح نفسه الذي حقّقه في العراق جرّاء الخطوة نفسها. لكن، من المتوقع أن يرحل بترايوس عن أفغانستان في أيلول (سبتمبر) المقبل ليباشر مهماته كمدير لوكالة الاستخبارات الأميركية.

تدل هذه الآراء المتفاوتة على الخلافات الحالية القائمة في واشنطن وبين حلفائها. ويعارض أمين عام حلف شمال الأطلسي أنديرز فوغ راسموسن الذي يعدّ صوتاً قوياً في النقاش الدائر حالياً، تقليص عدد القوات الأميركية. فقد أعلن خلال مقابلة مع صحيفة «فاينانشيل تايمز» البريطانية في 31 أيار (مايو) إن « تقليص عدد القوات يعتبر خطأ فادحاً. لا نريد ترك فراغ أمني في البلد بعد أن نرحل عنه» معتبراً أنّ «الاستمرار في ممارسة ضغوط عسكرية كبيرة على حركة طالبان من شأنه تسهيل عملية المصالحة». ويرى عدد كبير من الخبراء أنّ هذه النتيجة غير أكيدة وأنّ أهداف راسموسن مشتبه فيها. ويبدو أنه حريص بشكل أساسي على الحفاظ على هيبة حلف شمال الأطلسي ويظن أنّ الخروج سريعاً من أفغانستان من شأنه تشويه صورة الحلف.

وفيما يؤيّد راسموسن استمرار عمليات مكافحة التمرد التي تتطلب عدداً كبيراً من الجنود، ينصح خبراء آخرون أن تنقل الولايات المتحدة تركيزها إلى عمليات مكافحة الإرهاب التي تتطلب فرقاً مقاتلة صغيرة مثل تلك التي قتلت بن لادن.

كما يرى خبراء آخرون أنّ لجوء أميركا إلى مطاردة أفراد حركة «طالبان» وقتلهم يعدّ حماقة مطلقة لا سيّما أنه يجب التفاوض معهم على حلّ سياسي. ويجب في هذا الإطار إنشاء جوّ ملائم لإجراء محادثات السلام من خلال تقليص الهجمات بالصواريخ التي تنفذها الطائرات من دون طيّار إلى جانب الهجمات الجوية والغارات الليلية على الأحياء السكنية التي تتسبّب بمقتل مدنيين. لقد أدى قصف جوي نفذه حلف شمال الأطلسي في 28 أيار (مايو) إلى قتل 14 مدني أفغاني بما فيهم 11 ولداً تتراوح أعمارهم بين سنتين وسبع سنوات. وأصدر الرئيس حميد كرزاي الغاضب تحذيراً «أخيراً» إلى حلف شمال الأطلسي مطالباً إياه بوقف هذه الهجمات. فقدّم الحلف اعتذاره إلا أنّ الضرر كان قد وقع على أي حال.

وفي مقال نشرته صحيفة «إنترناشونال هيرالد تريبيون» في 24 آذار (مارس) الماضي، اقترح الأخضر الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة الأسبق في أفغانستان، وتوماس بيكيرينغ، نائب وزير الخارجية الأميركي الأسبق، تعيين «وسيط دولي محايد» من أجل البحث مع كل الأطراف في إمكان إيجاد نهاية للنزاع يتمّ التفاوض عليها، معتبرين أنّ هذا الوسيط يمكن أن يكون شخصاً أو مجموعة أو منظمة دولية أو دولة محايدة أو مجموعة دول.

وأضافا أنّ هذا الحلّ يتطلب إفساخ المجال أمام مشاركة ممثلين عن حركة «طالبان» في الحكومة المركزية وحكومات المحافظات إلى جانب ضمان انسحاب القوات الأجنبية. وستكون المساعدة المالية ضرورية علماً أنها تشكّل جزءاً بسيطاً من تكاليف الحرب، إلى جانب سعي المجتمع الدولي إلى الحفاظ على السلام وتطبيق أي اتفاق يتمّ التوصل إليه.

تعدّ هذه المواقف حكيمة. لكن يبدو أنّ أوباما يعطي أهمية أكبر للأشخاص الذين يدعون إلى شن الحرب بين مستشاريه بدلاً من أولئك الذين يسعون إلى إقامة سلام. لقد أخفق أوباما في التوصّل إلى سلام بين العرب وإسرائيل. فهل يخفق في تحقيق ذلك أيضاً في أفغانستان؟

About this publication