الانسحاب الأمريكي من العراق السلبيات والايجابيات
بقلم: صادق عبد الواحد الموسوي – (صوت العراق) – 31-05-2011
يدور جدل بين الأوساط السياسية العراقية حول الانسحاب الأمريكي من البلاد نهاية العام الجاري، فالكتل السياسية كعادتها مختلفة في مواقفها حيال هذا الانسحاب وتأثيره على مستقبل البلاد والعلاقات مع واشنطن.
فالانسحاب الكامل بنهاية العام المقبل, يحمل في طياته العديد من النتائج المهمة التي ستحسم بشكل كبير مستقبل هذا البلد وإلي اين يتجه؟ هل سيكون هذا الانسحاب خطوة مهمة نحو استعادة سيادته أم سيؤدي إلي انزلاق البلاد إلي حالة الفوضي والعنف وأتون الحرب الأهلية؟
أن الانسحاب سيؤدي إلي مزيد من الفوضي والعنف.,كما أنه لا يوجد اتفاق بين مكونات الشعب العراقي حول مستقبل البلاد وهذا ما تعكسه حالة الاستقطاب السياسي والطائفي الحالية والتي ساهمت في فشل الكتل السياسية الرئيسية في التوصل إلي تشكيل حكومة كاملة حتى الآن.
فالعراقيون منقسمون إلى ثلاثة اقسام حول الانسحاب الامريكي،
الاول يطالب بانسحاب جميع القوات وفقا للاتفاقية الامنية، وعلى رأسهم التيار الصدري وبعض اعضاء القائمة العراقية،
والثاني يطالب بانسحاب جزء من هذه القوات وابقاء جزء منها، مثل التركمان وبعض اعضاء القائمة العراقية وقسم من اعضاء التحالف الوطني،
والجزء الاخير يريد بقاء القوات وهم اغلبية الاكراد، وبعض اعضاء التحالف الوطني وبعض الجهات التي ترتبط بعلاقات صداقة قوية مع الجانب الامريكي”.
فان العلاقات العراقية الامريكية حتى لو تم الانسحاب العسكري، فانها ستبقى قوية وسيبقى النفوذ الامريكي في العراق قويا ومؤثرا، لانه ليس من المعقول أن يدفع الامريكيون نحو 4500 قتيل ومئات المليارات من الدولارات لكي يتركوا العراق لدول الجوار والدول الاقليمية تسيطر عليه، ودون أن تكون لهم كلمة في صنع القرار العراقي .
فان العديد من الساسة العراقيين يدركون حجم المخاطر التي سيخلفها الانسحاب الامريكي على مستقبلهم ، ومستقبل العراق، لذلك يسعون إلى ايجاد صيغة تكون مقبولة من اغلبية الشعب العراقي حيث انهم يحاولون ابراز حاجة القوات المسلحة العراقية إلى مزيد من التسليح والتجهيز والتدريب.
فان مسألة انسحاب القوات الامريكية ومدى تأثير ذلك على الساحة العراقية
فالاتفاقية الامنية مقررة ومنجزة وبنهاية عام 2011 سوف تخرج جميع القوات الامريكية من العراق،
فهل ستنسحب امريكا بسفارتها وقنصلياتها وبنفوذها من العراق،
ولكننا نقول ان القوات الامريكية سوف تبقى في العراق لان هناك علاقات وهناك اتفاقيات تعاون طويل الامد بين العراق والولايات المتحدة، ولدينا اتفاقية الاطار الاستراتيجي التي تشمل جميع نواحي التعاون”.
ولكننا نعتقد بان الانسحاب الامريكي من العراق اصبح ضرورة ملحة لان المواطن العراقي بدأ لايتقبل هذا الوجود، كما أن هذا الوجود يراه المواطن عاملا لجذب العنف خصوصا تنظيم القاعدة الذي يعتبر الوجود الاجنبي عامل جذب لمقاتليه من داخل وخارج العراق ممن يؤمنون بعقيدة ما يعرف ب(الجبهة العالمية لقتال الصليبيين).
فأن الوجود الامريكي في العراق اصبح عاملا لجذب الجماعات المسلحة التي تدار من قبل قوى خارجية ويتم استخدامها كورقة لعب ضد الامريكيين على الساحة العراقية، وحتى سياسيا استخدمت قضية الانسحاب من قبل بعض السياسيين والكتل كورقة مزايدات وطنية تم بها تعبئة الشارع ضد الوجود العسكري الامريكي فاصبحت رغبة الاغلبية من العراقيين هي رحيل هذه القوات.
وأن حاجة العراق لشراكه استراتيجية طويلة الامد مع الولايات المتحدة ضرورة ملحة، امام التحديات التي يواجهها العراق في هذه المرحلة سواء التحديات المتمثلة بالتدخلات الاقليمية في شئونه الداخلية، والتي تهدد امنه واستقراره ومقدراته وسلمه الاهلي من جهة أو حاجة العراق إلى الشراكة الاستراتيجية على الصعيد الامني
وان الظروف التي بنيت بها القوات العسكرية العراقية كانت ظروف استثنائية ومشحونة طائفيا، وكانت المسألة الطائفية والقومية مقدمة على المهنية في تشكيل هذه القوات مما جعلها قوات بلا عقيدة عسكرية وفاقدة لكثير من المقومات التي على اساسها يتم إنشاء القوات المسلحة وهو ما يعود سلبا على قدرتها في التصدي لاي تهديد خارجي أو داخلي يتعرض له العراق مستقبلا مما يجعل الحكومة مجبرة على عقد شراكة مع الولايات المتحدة تقوم على اساس الاستفادة من القدرات العسكرية واللوجستية التي تتمتع بها الولايات المتحدة لرفد القوات العراقية والمساهمة في تدريبها وتطويرها وتسليحها لتكون قادرة على القيام بمهامها في دفع الخطر الداخلي من جهة وكذلك حماية حدودها من اي تدخل خارجي.
وعلى الرغم من تأكيد رئيس الوزراء نوري المالكي على قدرة القوات الأمنية العراقية على تحمل المسؤولية والحفاظ على الأمن والعمل بمهنية ووطنية،
وتعهده بمواصلة تعزيز قدراتها وإمكانياتها القتالية من خلال تجهيزها بأحدث الأسلحة والمعدات، إلا انه يرفض الافصاح عن موقفه تجاه الانسحاب الامريكي،
فهو متردد وعلى غير يقين من جاهزية القوات العراقية للحفاظ على الامن وحدود العراق ولهذا صرح مؤخرا
“سأدعو قادة الكتل السياسية لمناقشة هذا الموضوع فان وافقوا سأقول نعم لبقاء القوات، وأن قالوا لا سأقول لا لبقاء هذه القوات”.
وهنا السيد رئيس الوزراء يمسك العصا من الوسط، فهو لايريد خسارة صداقة الجانب الامريكي، ولا يريد استعداء التيار الصدري، الذي اعلن زعيمه مقتدى الصدر أنه سيرفع التجميد عن جيش المهدي في حالة بقاء القوات الامريكية في العراق بعد نهاية العام الجاري،
و قالت جماعة علماء ومثقفي العراق في بيان لها حول انقسام الكتل بشأن الانسحاب الامريكي “هناك من يريد إبقاء عديد من القوات الأمريكية في العراق لتدريب الجيش العراقي وشرطته،
وضمن أهداف هذا الإبقاء الاحتياط من تخوف حدوث فراغ أمني لا تقدر القوات المسلحة العراقية على ملئه، أو تتخوف من تربص قوى مجاورة للعراق واستغلال الفراغ للوثوب مكان الأمريكان بحجة حماية مكتسبات العراقيين من ديمقراطية وحرية
وأن الحقائق تشير إلى أن أمريكا لم تغز العراق لتسلمه على طبق من فضة، لاناس اثبتوا فشلهم في إدارة شئون البلاد منذ العام الاول للاحتلال .
فأمريكا لن تنسحب من العراق، فإذا خرجت من الباب عادت من الشباك، وقواعدها في العراق لن تسلم لحكومة عراقية مشتتة متصارعة حول الغنائم والمكتسبات الشخصية والحزبية.
وان اصحاب العقول العراقية رسمت مستقبلا مظلما للعراق قائلة “سيبقى العراق يترنح بين وجع المصائب والكوارث، ويبقى العراق بين فكي التقسيم والتصارع الحزبي، ويبقى العراق منكوبا بهذه الزمر الحاكمة الخاضعة للمحتل والسائرة بهديه ونهجه.
والكثير من القادة العسكريين يروا أن قواتهم غير مؤهلة لحماية البلاد بعد الانسحاب الامريكي وهذا يعني أن العراق سيبقى مهددا في امنه واستقراره،
ولن يكون بمقدور العراق حماية أجواءه وحدوده لغاية عام 2020،
فأن الجيش العراقي مستعد حاليا على المستوى الداخلي لمواجهة الارهاب، غير انه لا يقدر على حماية أجواءه وحدوده، حيث يعتمد في ذلك على الأمريكيين.
والمواقف المتباينة بين الكتل السياسية حول الانسحاب الامريكي، والتي تسعى كل كتلة للاستفادة من هذا الموضوع مستقبلا،
فالانخراط في لعبة التحالفات السياسية الهشة,, وهذا يعود إلى ان كل طائفة تعتبر هدفها الاساسي تعظيم مصالحها ومكاسبها وفرض كفتها في ظل المرحلة الصعبة التي يمر بها العراق, حتي وإن جاء ذلك علي مصلحة العراق العليا ووحدته الوطنية.
بالمناصب وليس استعادة سيادة العراق والحفاظ علي وحدته. فإن انسحاب القوات الأمريكية المقاتلة في هذا التوقيت يمكن ان يؤدي إلي نتيجتين متناقضتين الأولي: أن تسود حالة العنف وتندلع الحرب الأهلية, والتي بدأت مؤشراتها مع موجة العنف الدموي الأخيرة, خاصة أن هناك عوامل كثيرة تساعد علي تحقيق هذا السيناريو التشاؤمي أبرزها عدم جاهزية القوات العراقية لتولي المهام الأمنية
وغياب الثقة بين الطوائف العراقية ووجود تيارات العنف التي تنظر لحظة خروج القوات الأمريكية المقاتلة لنشر الرعب والقتل والتي يمثلها تنظيم القاعدة حيث سيعتبر أنه انتصر علي الولايات المتحدة وأجبرها علي الانسحاب, أي أن كل الظروف الحالية التي يمر بها العراق تجعل هناك قابلية أعلي للفوضي بكل أشكالها السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية, كما أن هذا الوضع سيساعد علي نمو أدوار أطراف أخري خارجية مثل إيران تسعي إلي ملء الفراغ بعد الانسحاب الأمريكي لتنفيذ أجندتها وتعظيم مصالحها. والنتيجة الثانية: أن الانسحاب يعد خطوة علي طريق استعادة العراق لسيادته وكرامته بعد انسحاب كافة القوات الأمريكية المتبقية العام المقبل, وهو ما يفرض تحديا كبيرا علي الفئات العراقية لشحذ هممها للسيطرة علي البلاد وتنحية خلافاتها السياسية والطائفية انطلاقا من إدراكها أن اندلاع الحرب الأهلية سوف يقضي علي الأخضر واليابس ولن يكون في مصلحة أي طرف خاصة بعد تجربة العنف الطائفي المريرة التي تعيشها البلاد منذ سنوات. وفي كلتا الحالتين تبدو النتيجة المهمة أنه لا انسحاب القوات الأمريكية أو بقاؤها هو الذي سيحسم مستقبل العراق وإنما العراقيون أنفسهم, وليس غيرهم, فهم بيدهم تقرير مصير بلدهم والخروج به من هذا النفق المظلم, وهذا بدوره يتوقف علي قدرة الأطراف العراقية علي تغيير منهج المحاصصة الطائفية الذي حكم المعادلة العراقية
إحلال منهج الديمقراطية الحقيقية وتكريس المواطنة التي تساوي بين العراقيين جميعا في الحقوق والواجبات بغض النظر عن اختلافاتهم العرقية أو الطائفية, والارتقاء إلي مستوي المسئولية في إدارة شئون البلاد والتركيز علي أولويات المصالحة الوطنية والتعايش السلمي بين جميع الطوائف وتحقيق التنمية والتقدم الاقتصادي ومعالجة قضايا البطالة والفقر وإعادة الإعمار وإعادة اللاجئين وبناء مؤسسات الدولة المنهارة, خاصة قوات الجيش والشرطة, وحل القضايا العالقة مثل تعديل الدستور, وتسوية مشكلة كركوك, وكذلك وقف تمدد نفوذ القوي الخارجية واستئصال التنظيمات المتطرفة من البلاد. ولاشك أن الانسحاب في حد ذاته يعد خطوة مهمة لأنه سوف يزيل أحد مبررات استمرار العنف, كما ان التذرع بعدم جاهزية قوات الأمن العراقية لتبرير بقاء القوات الأمريكية أمر مردود عليه, لأن تحقيق التعايش السلمي وتحقيق المصالحة بين العراقيين وإنهاء الاستقطاب الداخلي وفك التشابك الخارجي هو صمام الأمان الحقيقي الذي سوف يحقق الاستقرار السياسي والأمني, كما أن رهن مصير العراق بالوجود الأمريكي هو رهان خاسر أيضا سيطيل من أمد العنف والضبابية السياسية.
وندعوا الكتل السياسية إلى الاخذ بنظر الاعتبار مستقبل العراق، وكذلك القدرة التي تتمتع بها الولايات المتحدة، والتوصل إلى اتفاق يحافظ على مصالح الطرفين ويرسم مستقبل مشرق للعلاقة بين البلدين.
ولهذا نرى بان سلبيات خروج الامريكان في الوقت الحالي التي تنعكس سلبا على العراقيين اكثر بكثير من الايجابيات ،
ولكن علينا احترام رأي الاغلبية من الكتلة السياسية ، ونقترح انهاء الوجود الامريكي على ارض العراق بحسب الاتفاقية لاحترام مبدأ الميثاق .
على ان يبرم اتفاق جديد ببقاء اعداد تتقلص الى النصف من وجودهم قبل انتهاء موعد الاتفاقية ، على شرط ان تمد الجيش العراقي بكل ما ينهضه لتحمل المسؤولية خلال فترة الاتفاق الجديد ، ليكون قادرا حقيقيا لتحمل مسؤولية حماية الامن في العراق داخله وخارجه. لرفد القوات العراقية والمساهمة في تدريبها وتطويرها وتسليحها لتكون قادرة على القيام بمهامها في دفع الخطر الداخلي من جهة وكذلك حماية حدودها من اي تدخل خارجي.
صادق الموسوي
نائب الامين العام لتجمع السلام العالمي
في العراق والشرق الاوسط
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.