لا شك أن أمريكيا ومعها دول الغرب كانت ولا زالت في وضع لا يحسد عليه، بدأت جيوشها تنهار في أفغانستان والعراق، ووصلت خسائرها البشرية والمادية حدا لا يطاق، فكانوا كناطح صخرة يوما ليوهنها ..، وبلغ العداء لأمريكيا ودول الغرب من قبل المسلمين حدا غير مسبوق، أيقنت منه أنه لن ينتهي الى خير أجلا أم عاجلا، كما وصل بها الحال أنها لم تستطع فتح المزيد من الجبهات رغم حاجتها الماسة لذلك، خاصة وأن الخطر صار يزداد عليها من كل صوب. وفوق هذا وعت أمريكيا والغرب أخيرا، وبعد المرارات التي ذاقوها في فترة رئاسة بوش الصغير ووالده من قبل، بأن الصهيونية العالمية ليست بتلك الصديقة، وهي التي أستسلما لها بوش وتشيني بالكامل حيث قادتهما من دمار الى دمار ودون ان يفكر الصهاينة للحظة واحدة في مصلحة الشعب الأمريكي والشعوب الغربية التي جروها معهم في حروبهم الدموية ضد المسلمين، بل في أول مواجهة خفية ما بين امريكيا والغرب من جهة والصهيونية العالمية من جهة أخرى، حركت الأخيرة أساطينها اليهود من أجل تدمير النظام المالي في أمريكيا والعالم، حيث كان اليهود هم المسيطرون على البنوك في أمريكيا وأكثر دول العالم، ويكفي ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية من أن أشهر البنوك التي أفلست وهو ليمان براذرز قد تم السطو على حسابات العملاء فيه من قبل مالكيه اليهود وحولوها الى الكيان الصهيوني، بل أن صحيفة البرافدا أمتلكت الشجاعة وذكرت أن اليهود نهبوا الشعب الأمريكي والشعب الروسي وحولوا هذه الأموال لبنوك إسرائيلية، كما المحت صحيفة الأنبندت لكلام قريب من هذا، مما أدى لإنهيار هذه البنوك والذي نتج عنه الأزمة المالية العالمية والتي لا زال يعاني منها العالم حتى يومنا هذا، ومع أن الحكومة الأمريكية حاولت تفادي هذه الأزمة بضخ أموال ضخمة لليهود أنفسهم في محاولة منها لإنقاذ هذه البنوك، وبأموال من؟ طبعا أموال العرب وعلى رأسها السعودية، لقد أجبرت الحكومة الأمريكية الدول الخليجية حتى على فتح الصناديق الإئتمانية لتنهب منها ما تشاء لإنقاذ نفسها من هذه الأزمة، وليس غريبا أن يعثر على أحد مدراء هذه الصناديق في نفس الآونة قتيلا في أسباخ المغرب بعد سقوط طائرته ونجاة طيارها! وهو الشيخ أحمد بن زايد والذي يبدو أنه أظهر ترددا ما. كما وجدت أمريكيا نفسها أمام أنظمة عربية جامدة، رفضت ان تصلح حتى حين أمرها السيد الأمريكي بالإصلاح، فلقد أعتادت الجمود حين كان الجمود في مصلحة هذا السيد، وظلت على ديدنها من دكتاتورية ولصوصية وبطش وإرهاب لشعوبها، فمن شب على شيء شاب عليه. كما أن هذه الأنظمة فشلت في نفس الوقت في السيطرة على شعوبها وهذا ما يهم أمريكيا في الأساس، مما جعل السيد الأمريكي يتخلى عنها ويعتبرها أنظمة آبقة، فأمريكيا كانت على يقين بأن صبر الشعوب قد نفذ بل أستغربت كيف أن هذا الصبر طال الى هذا الحد، ومع ذلك وظلت هذه الأنظمة على حالها ولم تغير شيئا، متكبرة صماء ران على قلوبها كإبن نوح حتى جاءها الطوفان. إزاء هذا الوضع المزري كانت أمريكيا تفتش لها عن منقذ من الوضع الذي تعيشه – حتى لو رأسه كالزبيبة-، منقذ يكون قريبا للعرب والمسلمين أو على الأقل تستطيع أقناع العرب والمسلمين به، فوجدته أخيرا في باراك حسين أوباما، والأخبار والإشاعات التي كانت تنشر عندما تولى الرئاسة وما قبل ذلك من أن الرجل قد يكون مسلما كأبيه، وأنه درس في مدارس إسلامية وغير ذلك من الأخبار كانت موجهة في الأساس للرأي العام الإسلامي وليس لتخويف الشعب الأمريكي منه كما أعتقد البعض، ثم جاءت خطاباته في مصر وتركيا والتي أستشهد فيها بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية وبز الزعماء العرب في ذلك، ثم جاء مؤتمر تقارب الأديان، وكل هذا فشل فشلا ذريعا. إذن لا بد من التفكير جديا بإرضاء الشعوب نفسها والإنحياز لها مهما كلف الثمن لأن أمريكيا أقتنعت في النهاية أنه لا ضمان لهؤلاء الحكام في زمن الصحوة هذا ولا أمل من هؤلاء الحكام بالقيام بأي إصلاح حقيقي لأنهم جبلوا على الفساد والإفساد منذ زمن، وقد رأينا كيف أن بعضهم سحقوا وهم متشبثون بفسادهم وعنتريتهم التي لم تظهر منهم الا على شعوبهم، كما أن أمريكيا تعرف أن الشعوب العربية كفرت بحكامها وزيفهم وأنظمتهم البالية منذ أمد بعيد. بعد المؤامرة على فلسطين عام ١٩٤٨ توقعت أمريكيا ثورات عربية على أنظمتها كتلك التي تحدث الآن، ولتوقعها هذا أستبقت أحداث قد تأتي في غير مصلحتها، فقامت بتغيير الوجوه الحاكمة عبر إنقلابات وإغتيالات وحتى تسميم، كما يُشك بأنه حدث مع الملك عبد العزيز خاصة بعد أن تبين أن طبيبه الخاص جاسوس لدى عدة أجهزة إستخبارات غربية، وبهذا تكون أمريكيا قد حققت التغيير المنشود! الذي تريده الشعوب العربية وأستطاعت تخديرها لفترة من الوقت، كما في نفس الوقت وضعت عملاء لها أكثر نشاطا، كما وفرت على نفسها الثمن المؤخر الذي تعهدت بدفعه لتلك الوجوه القديمة لقاء إشتراكها في المؤامرة على فلسطين. والآن عندما قامت الثورات العربية ضد حكامها، حاولت أمريكيا بداية التدخل لصالح الحكام، لكنها حين لاحظت جدية هذه الثورات وبدأت شعوب الغرب تعرف ما يجري على أرض الواقع; وجدت نفسها تقف مع هذه الثورات وتسايرها في محاولة منها لتوجيهها لصالحها، وبرز هذا واضحا في الثورة المصرية، لكننا لا نستطيع التيقن من نجاح المخطط الأمريكي في الثورة المصرية الا في حالة مثلا فوز محمد البرادعي أو عمرو موسى في إنتخابات الرئاسة المصرية، وإذا حدث هذا فأنه يعني فشل الثورة المصرية ككل، فما الذي أختلف فيه هذان عن حسني مبارك; الأول من نفس مستنقع العمالة والثاني حمل لواء العارين، العمالة والفساد. وما أعجب أن هؤلاء الحكام الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل إرضاء أمريكيا، ودمروا أمتهم في سبيلها; وجدوا أن السيد الأمريكي غير مستعد أن يتنازل حتى عن أبسط مبدأ عنده في سبيل حمايتهم، ورفض حتى أن يكلف بسطار جندي أمريكي للتحرك من أجل نفس الشيء، بل أعتبروا أن من العار أن يقيموا على أراضيهم بل حتى أن يمروا من أجواء بلدانهم، لكنها تظل نهاية الخائن ومصير من خان شعبه وأمته. يجب على أمريكيا أن توفر على نفسها المزيد من الجهد فهي أمام شعوب أنفجرت بعد صبر طويل، فلن تفلح من حيث أتت بعد كل الذي جاء منها، فهذه الشعوب التي واجهت الرصاص بصدورها العارية في سبيل حريتها وكرامتها، لن تقبل أن تنتهك من أي كان، فلا أغلى من الكرامة التي سقتها الدماء، وهذه الشعوب التي أسقطت العروش، لا بد وأن تسقط الحدود، حينها ستنتظر صلاح دين جديد يعيد ترتيب البيت ليغسل العار الذي سجل على جبين الأمة منذ عقود.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.