أميركا تريد.. وشعبنا لا يريد
شؤون سياسية
الجمعة 1-7-2011
بقلم: عبد الرحمن غنيم
يبدو أن المسؤولين في البيت الأبيض الأميركي وفي وزارة الخارجية الأميركية لا يدركون الحقيقة القائلة بأنه حين يقولون: إن أميركا تريد كذا من سورية ،فإنه -وبغض النظر عن مضمون الشيءالذي تريده أميركا – فإن كل مواطن عربي سوري ،
بل وكل مواطن عربي حر شريف ، يقول بشكل تلقائي: وما علاقة أميركا في أن تريد أو ألا تريد فيما يتعلق بشؤون السوريين الداخلية ؟! فالمهم عندنا هو ما يريده الشعب العربي السوري ، والمهم عندنا هو ما يريده الشعب العربي .ومن الخير لأميركا أن تكف عن هذه اللغة التي تحاول فيها فرض إرادتها على العرب وعلى غيرهم من شعوب العالم ، فهذه اللغة تعني عملياً إنها تصادر حرية العرب وحرية الشعوب ، مثلما تعني عملياً أنها تستعلي على العرب وعلى شعوب العالم .
وهي لا تفعل ذلك بدوافع الكبر والتجبر والتسلط حصراً وإنما بدوافع مادية استغلالية تجعل فيها من المصالح الأميركية محوراً لسياستها تجاهنا ، وتريد أن تفرض عليناالخضوع لحسابات هذه المصالح ، وتستكثر علينا أن نمتلك إرادتنا ، أو أن نكون سادة مقدراتنا الاقتصادية ، وأن نكون أحراراً في قول كلمة لا أو نعم في أمور تخص حياتنا نحن ، وتتعلق بمصيرنا نحن، وبمصالحنا نحن.
ولعل كلام المسؤولين الأميركيين حتى وإن اتخذ أحياناً شكل النصيحة وليس الأمر يثير حساسية أكبر من الحساسية التي تثيرها دول أخرى تحاول أن تظهر بمظهر الناصح . ولهذه الحساسية أسباب ، نذكر منها:
أولاً العلاقة الأميركية الإسرائيلية التي تصر الادارات الأميركية على تأكيدها والتي تجعل من السياسة الأميركية نسخة طبق الأصل من السياسة الإسرائيلية تحت عنوان التزام أميركا بأمن إسرائيل أو تطابق المصالح الأميركية في المنطقة مع المصالح الإسرائيلية. فإذا كانت أميركا تتصرف وكأنما هي إسرائيل ، وإسرائيل هي العدو الذي يحتل أرضنا ويشرد الكثيرين منا ويواصل اعتداءاته علينا وجرائمه ضدنا ، فكيف يمكن أن نقبل من أميركا حتى منطق النصيحة ؟ وكيف لنا أن نقبل من أميركا أن تمارس أيضاً ما هو أكثر من منطق النصيحة حين تحاول فرض إملاءاتها علينا؟ فإذا كان معقولاً أن نخضع للإملاءات الإسرائيلية عندئذ فقط يمكن أن يكون معقولاً الخضوع للإملاءات الأميركية . وبالطبع فإنه ليس من الوارد قطعاًالخضوع لإملاءات هذا الطرف أو ذاك أو لأي إملاءات تأتي من الخارج .
ثانياً : نحن نعرف تاريخياً أن محاولات الولايات المتحدة لدس أنفها في شؤونناالداخلية ، ومساعيها لتمكين عملائها من الإمساك بمقاليد الأمور ، هي محاولات تعود على الأقل إلى فترة الخمسينيات من القرن الماضي . ونعرف أيضاً أن الولايات المتحدة لم تكف هن هذه المحاولات ، وعن تجنيد العملاء لاستخدامهم في تنفيذ سياساتها.فكيف لشعبنا أن يقبل بالتخلي عن إرادته الحرة وارتهان هذه الإرادة لتكون في أيدي عملاء أميركا أو أي قوى خارجية؟!
ثالثاً : لقد كانت الولايات المتحدة حليفاً دائماً لإسرائيل في الصراع العربي- الصهيوني . وبالتالي ، فقد اختارت على الدوام أن تتخذ موقف العداء لنا ولحرية أرضنا وإنساننا . فكيف نصدق أنها معنية بحريتنا بينما هي تشكل حليفاً دائماً لإسرائيل التي تحتل جزءاً من أرضنا وتسعى إلى احتلال المزيد ، وتشرد جزءاً من شعبنا وتسعى إلى تشريد المزيد ؟ ألا يكفي السلوك الأميركي في هذا السياق لإسقاط مصداقية أي موقف أميركي يدعي الاهتمام بشؤوننا بينما تتمسك واشنطن بتحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل ضدنا؟!
رابعاً: لقد رأينا عملياً كيف تصرفت السياسة الأميركية تجاه العراق ، ورأينا عملياً ذلك الثمن الباهظ والمروع الذي دفعه الشعب العراقي بسبب الغزو الأميركي للعراق وكم ترتب عليه أن يدفع من التضحيات في ظل الشعارات الأميركية الكاذبة عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان . ومن المؤكد أنه ما من إنسان عربي حر توجد لديه أدنى ذرة من الحرص على امته ووطنه يمكن أن يقبل بتكرار المأساة التي ارتكبتها أميركا في العراق في قطر عربي آخر.
نحن نعرف أن الولايات المتحدة إنما استخدمت وسائل التهييج والتجييش ، من شراء للذمم إلى تسميم للعقول ، في سبيل فرض إرادتها علينا. ونعرف أنها تحاول من خلال الضغط والتهديد والابتزاز والجرائم الدموية التي ترتكبها عصابات الإرهابيين التي قامت هي بتجنيدها وتمويلها وتسليحها وتدريبها أن تحقق أهدافها هي على حساب إرادة شعبنا وأمتنا . وهي تحاول استغلال قدراتها على التأثير في المسرح الدولي لإملاء أمور عجز ويعجز عملاؤها عن تحقيقها . لكن شعبنا العربي مصمم على مقاومة مثل هذه المحاولات دفاعاً عن حريته وكرامته ومصيره .فهو يدرك بشكل جلي أن أي انصياع للإرادةالأميركية إنما يعني فقدان الحرية والاستقلال ، ولن يكون بوسعهم مصادرة ما عندنا من حرية من خلال الادعاء الكاذب بأنهم يساندون الحرية ، بينما هم عملياً يساندون إسرائيل التي تخطط وتسعى لمصادرة حرية الأرض والإنسان عندنا . فإذا كان الساسة الأميركيون قد باعوا حريتهم للصهاينة ، وأثبتوا انحناءهم أمام أهواء إسرائيل ، فليس لهم أن يفرضوا مثل هذا الموقف المذل علينا ، وأن يجعلونا نقبل لأنفسنا ما قبلوه هم لأنفسهم ، وأن نفرط بحريتنا مثلما فرطوا هم بحريتهم .
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.