قررت الولايات المتحدة استئناف الاتصالات مع جماعة الأخوان المسلمين، وقررت معها تغيير سياسة الخطب -عمال على بطال- عن الحوار والعلاقات المشتركة مع العالم الاسلامى، والدخول بشكل مباشر فى حوار بناء .
ولكن بعيدا عن هذا كله، يعتبر اتخاذ مثل هذا القرار بالنسبة للولايات المتحدة والاخوان المسلمين على حد سواء خطوة ايجابية سوف يحصد من وراءها الطرفان العديد من المكاسب السياسية :
فمثلا بالنسبة للجماعة، يعتبر هذا القرار من قبل الولايات المتحدة باستئناف الاتصالات معها، وبشكل علنى هذه المرة، هو اعتراف صريح من قبل الأمريكان بأن الأخوان المسلمين هم أكبر قوة على الساحة السياسية المصرية الأن، كما أن هذه الخطوة أيضا قد جاءت بمثابة الدعاية الانتخابية للجماعة وحزبها فى هذا التوقيت بالذات، ومع اقتراب الانتخابات التشريعية المقبلة.. فضلا عن أنك تستطيع القول أن الثورة لم تغيرشيئا – حقيقة – حول نظرية التأثير المباشر للولايات المتحدة فى اختيار رئيس مصر القادم، لوجود العديد من الشواهد الداخلية والخارجية التى تؤيد هذا الطرح، وبما أن الأمريكان يعتقدون أنه لا يوجد من ضمن المرشحين المحتملين للرئاسة من يسمن أو يغنى من جوع، عدى – طبقا لوجهة نظرهم – د. محمد البرادعى (الذى يتحفظون عليه بالطبع) لذا كان لزاما عليهم العثور على البديل، والذى لم يجدوه فى أى من الأحزاب (المضروبة) الموجودة الأن على الساحة، فاتجهوا مباشرة الى الأخوان المسلمين .
أما الادارة الأمريكية فقد دفعتها سياساتها البرجماتية المعروفة الى القبول بالتيار الاسلامى، الذى طالما دعمت النظام السابق فى قمعه وتعمد تنحيته عن الساحة السياسية .
ولكن فى حقيقة الأمر، فان عودة الاتصالات مع جماعة الأخوان المسلمين فى القاهرة يحمل فى طياته أبعاد خارجية أيضا.. فبعد سقوط الرئيس المخلوع حسنى مبارك – أهم حليف للولايات المتحدة بعد اسرائيل فى المنطقة – وبعد اتمام المصالحة بين حركتى فتح وحماس، لم تجد الولايات المتحدة فى جعبتها أية ورقة ضغط يمكن أن تصلح لاستخدامها مع حماس، وأن الحكومة المقالة فى غزة قد وجدت نفسها (راجل لراجل) مع اسرائيل من دون أية مضايقات من الداخل أو الخارج.. فكانت النتيجة أن أسرعت الولايات المتحدة الى اختراع ورقة جديدة – متمثلة فى الأخوان المسلمين – يمكن استخدامها فى بعض الأوقات للضغط على حماس للتراجع عن قرارات معينة، ولتبنى مواقف أخرى .
بالنظر الى الموقف المعلن من قبل كلا الطرفين، يتضح أن الأخوان المسلمين (مع اختلافنا معهم) لا يسعون الى معاداة الولايات المتحدة، بل على النقيض تماما، سوف يحرصون فى الأيام المقبلة على توصيل الصورة الصحيحة لمرجعيتهم المعلنة، التى طالما أخفاها النظام خلف “الفزاعة” التى جعلت المشهد لدى الادارات الأمريكية المتعاقبة يبدو ضبابيا تجاه الجماعة .
ولكن، وفور الاعلان عن استئناف الاتصالات بين الجانبين، ظهر بعض الهتيفة، وبعض ممن تعودنا اصطيادهم فى الماء العكر ليعلنوا أن الأخوان المسلمين بدأوا فى التحالف مع قوى خارجية، وأنهم سوف يسمحون للولايات المتحدة بالتدخل من جديد فى الشأن المصرى الداخلى.. ولكننا لا نعتقد ذلك، اذ أنه لا توجد مؤشرات ترجح نظرية المؤامرة حتى الأن، كما أن الاستقواء بقوى خارجية من المعروف أنه ليس من ضمن المناهج المتبعة من قبل الأخوان المسلمين فى المنافسة على الساحة السياسية .
ولكن دعنا من هذا كله، المهم الأن هو محاولة استقراء الموقف بشىء من التمحيص، واستيضاح ملامح هذه العلاقة التى بدأت بالفعل على مستوى الاتصالات.. فهل سوف تتطور هذه الاتصالات الى مرحلة أبعد من ذلك؟ وهل سوف تتبلور هذه فى شكل علاقات دبلوماسية فى المستقبل؟..أم أن كل هذا الهيلمان، وما تم الاعلان عنه فى وكالات الأنباء المختلفة لا يتعدى نطاق التعارف.. وخالتى وخالتك واتفرقوا الخالات؟!
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.