.
Posted on July 26, 2011.
رغم ملايين الدولارات التي تنفقها الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية لأجل ما يسمى مسيرة تعزيز الديمقراطية والإصلاح في العالم العربي، إلا أن تلك الملايين التي تنفق بشكل سنوي تسعى لإيجاد ديمقراطية ذات مقاسات وأبعاد محددة لا تسمح بحرية الحركة، بل تبقي من يحاول ارتداءها محدود الحركة ضمن الإطار الذي رسمه الخيّاط، سواء الأميركي أو الأوروبي، والذي يتفق مع مصالحه الإستراتيجية في المنطقة، وكذلك أيضا بما يضمن أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي.
فمما لا شك فيه أن الوضع الحالي في مصر والعالم العربي يشكل مشكلة لأميركا. فما حدث يعيد إلى الأذهان الإستراتيجية الأميركية في التعامل مع الحالة الجماهيرية التي تطالب بسقوط النظام، وسيناريو السقوط والتخلي عن الأنظمة ظل يتكرر حتى سقوط مبارك، وهو إستراتيجية كانت تنفذ بانتظام روتيني، ولنتذكر ماركوس في الفلبين، ودوفاليير في هاييتي، وسوهارتو في أندونيسيا. هذا يعني أنك تدعم حليفك الدكتاتور لغاية نقطة معينة فقط، ثم تضطر لإزاحته، ثم تدعو بعدها لانتقال منظم للسلطة، ثم تعلن عن حبك للديمقراطية، وتحاول بأسرع ما يمكن إعادة الأمور إلى ما كانت عليه. هذا بالضبط ما يحدث الآن في مصر والتحالف المعلن مع الإخوان المسلمين لإجهاض المد الديمقراطي الذي بضرورة يتعارض مع المشروع الإمبريالي.
هناك أزمة وصراع ظاهر للعيان بين جموع المتظاهرين التي تطالب بالديمقراطية من جهة، وبين الإستراتيجية القديمة التي تريد استرجاع سيطرتها من جهة ثانية، وأقصد هنا التحالف مع بعض القوى الدينية وبعض التيارات الليبرالية التي تستفيد من وجود نظام غير ديمقراطي. هما تياران متعارضان ومتناقضان، لكن ما هي الفرص المتاحة الآن لتحقيق ديمقراطية حقيقية؟
في هذا السياق يشير المفكر الأميركي نعوم تشومسكي في أحد التحليلات التي قدمها لتفسير حالة المنطقة العربية إلى أن “القوى التي تتحكم بآلية الانتقال أو التغيير لا تريد ديمقراطية حقيقية”، وأن “أميركا وأوروبا تخشيان من قيام ديمقراطية في المنطقة، لأنها يمكن أن تجلب الاستقلال لها. ولهذا يتحدثون عن الإسلام المتطرف، حتى وإن كان حديثا ليس له أي معنى أو مبرر. وفقط على سبيل المثال، فإن أميركا وانجلترا كانتا الداعم التقليدي للإسلام المتطرف في وجه المد القومي”.
ويبدو أن هذا التحالف عاد ليطل برأسه من جديد وبشكل واضح، لأن زمن الاختباء واللعب تحت الطاولة لم يعد ممكنا، لذلك لا يوجد ما يمنع من عودة أشكال التحالف تلك للجم الثورة الديمقراطية في مصر، وغيرها من الدول في سبيل الحفاظ على المصلحة الأميركية الغربية في المنطقة. لذا، فإن المستقبل يحمل الكثير من التخوفات الجدية حول طبيعة تلك التحالفات، وكذلك وجهة مستقبل الديمقراطية التي تتعارض بالضرورة مع المشروع الغربي الذي سوف يقاتل من أجل الحفاظ على المقاس الذي يناسب المرحلة المقبلة، ومن خلال التحالف مع القوى التقليدية التي لا يمكن لها العيش ضمن سياق ديمقراطي.
الأردن
0
▼ إعـــلان
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.