أمريكا وإيران.. أيهما الشيطان الأكبر؟
عبدالرحمن علي البنفلاح
عندما قامت الثورة في إيران عام 1979م رفعت شعار «الشيطان الأكبر» وأطلقته على الولايات المتحدة الأمريكية بسبب ما تقوم به أمريكا من أنشطة ضد الدول المستقلة، وما تحيكه من مؤامرات في السر والعلن لتغيير واقع الدول وإحداث انقلابات عسكرية أو غير عسكرية تحقق مصالحها هي لا مصالح هذه الدول.
ولأن مصالح أمريكا ومصالح إيران اقتضتا أن تهادن هذه تلك، وإن تهادن تلك هذه، فإن إيران غضت الطرف عن الشيطان الأكبر ووضعت يدها في يده النجسة الملوثة بدماء الأبرياء من شعوب العالم، كما أن أمريكا غضت الطرف هي الأخرى عن إيران وما تمثله من تهديد نووي للعالم ولإسرائيل كما تزعم بصفة خاصة.
إذاً، فمن هو الشيطان الأكبر منهما؟ هل هي الولايات المتحدة الأمريكية بكل ما تعنيه من خروج على الإجماع الدولي، أم هي إيران التي تلوح في تهديد سافر باستخدام سلاحها النووي إذا حاول أحد الاعتداء عليها أو الوقوف ضد مصالحها؟
إن العلاقة التي تربط أمريكا بإيران هي من الممكن توصيفها بأنها زواج مؤقت في زمن معين قد يطول وقد يقصر، وهو زواج تعترف بشرعيته إيران فلا أحد يلومها على ذلك، وهي تستطيع أن تواجه العالم بمثل هذا العقد الذي هو جائز عندها وإن كان غير جائز عند غيرها. ولقد أكد التاريخ القديم والحديث أن إيران توجهها مصالحها الخاصة وإن كان في تحقيق هذه المصالح عدوان على الإسلام، ومحاربة لدوله وشعوبه.
أثبتت إيران ومنذ القديم أنها قابلة لأن تُشترى بأي ثمن وأن تضع يدها في يد من تظنهم شيطاناً أكبر. في القديم فعلت ذلك مع التتار والمغول، وفي الحديث وضعت يدها في يد أمريكا في غزوها لأفغانستان والعراق، ونحن لا نذيع سرا عندما نقول ذلك، فكبار المسئولين الإيرانيين يعترفون بذلك من باب تذكير أمريكا بفضائل إيران عليها، وأن لولا دعمها لأمريكا في أفغانستان والعراق ما استطاعت أمريكا أن تحقق ما حققت من تدمير للبلدين ووقف عجلة التنمية فيهما، وزرع بذور الطائفية والفتنة بين شعبي هاتين الدولتين.
وها هي إيران وأتباعها في البحرين يوثقان ارتباطهما بأمريكا ويضعان يدهما بيد أمريكا من أجل إثارة القلاقل في مملكة البحرين، وها هي وثائق ويكيليكس تكشف تفاصيل هذه العلاقة الآثمة بين أمريكا والمعارضة في مملكة البحرين حيث سعت المعارضة من خلال هذه العلاقة إلى بيع البحرين إلى إيران بثمن بخس دراهم معدودة وكانت فيها من الزاهدين، وما علمت هذه المعارضة أنه بعد أن تنجز هذا المخطط الذي وضعته إيران لها أن تبدأ بها وتطيح برأسها، فهي لا تثق بأناس باعوا وطنهم إلى الغير، وخانوا ولاءهم له، فهم أحرى أن يبيعوا وطنهم الثاني ويحولوا ولاءهم إلى غيره، فهم سماسرة يبيعون لمن يدفع الثمن من دون أن يشعروا بأي حرج، فهم قد اعتادوا ذلك.
إيران في تعاملها مع أمريكا تجسد مبدأ التقية أفضل تجسيد، فهي تضمر حب أمريكا، وتظهر بغضها لها، كما أنها تظهر بغضها لإسرائيل وتضمر حبها لها، هذه هي السياسة الإيرانية، للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تقوم على التقية.
ويبدو – والله أعلم – أن أمريكا تمارس المبدأ نفسه ونعني به التقية، فهي تعلن الحرب على إيران وعلى أنشطتها النووية وتقاطعها وتطالب الدول الأخرى بمقاطعتها، وهي في الوقت نفسه تقف معها وتنصر من يقف معها كما هو الحال مع المعارضة في البحرين التي تدين بالولاء لإيران الصفوية.
ويبدو – والله أعلم – أن هناك قواسم مشتركة بين أمريكا وإسرائيل وإيران، فالثلاث الدول تبدأ أسماؤها بالألف، وحين نحلل هذه الدول الثلاث عقديا، فإننا نجد أمريكا تمثل الصليبية العالمية، وأن إسرائيل تمثل الصهيونية العالمية، وأن إيران تمثل الصفوية العالمية. وهذه الدول الثلاث عقديا تبدأ بالحرف (ص) صليبية، صهيونية، صفوية.
هل هذا مجرد مصادفة، أم حكمة إلهية جمعت الشرور الثلاثة في حروف واحدة؟ فالدول الثلاث سياسيا، يجمعها «الألف»، والدول الثلاث عقديا يجمعها حرف «الصاد». فهل بعد ذلك هناك مجال للتعجب أو الاستغراب من مواقف إيران الموافقة لمواقف أمريكا الموافقة لمواقف إسرائيل؟
الجميع يكره المسلمين ويضمر الشر لهم، ويسعون جميعا إلى وضع الخطط والمؤامرات فرادى أو مجتمعين من أجل إثارة القلاقل، وتعكير صفو الأمن في دول العالم الإسلامي.
إذاً، فبعد هذا التحليل هل نستطيع أن نسأل هذا السؤال: أيهما الشيطان الأكبر؟ هل هي أمريكا وما تمثله في العالم من طغيان واستبداد، وخروج على القوانين والأعراف الدولية؟ أم هي إيران التي تعمل في السر والعلن على إثارة الاضطرابات والقلاقل في دولنا الإسلامية، وتحاول أن تنشر المذهب الصفوي في بلادنا الإسلامية السنية لتوجد نوعا من الأزمات التي تستنفد طاقة هذه الدول، وتوجه معظم ميزانياتها إلى حل هذه الأزمات فتتعطل التنمية، وتتخلف هذه الدول فلا تجد الوقت والمال لدفع عجلة التقدم إلى الأمام لتواكب غيرها من الدول المتقدمة؟
أم أن كلتيهما أمريكا وإيران شيطانان كبيران، لأنهما تمارسان الدور نفسه، وتخططان وتتآمران ضد دول الإسلام؟
وحين نحاول أن نفهم المعادلة نقول: إيران تساوي شيطانا أكبر، أمريكا تساوي شيطانا أكبر، إذاً، فكلتاهما شيطان أكبر كل بحسب مصالحه وخططه ومؤامراته.
وهناك قاسم مشترك ثالث هو أن الدولتين تعملان معاً أو منفردتين ضد هدف واحد هو الدول الإسلامية.
ومعلوم أن أمريكا حين تسهم في نشر المذهب الشيعي الصفوي في البلاد الإسلامية السنية، فهي بهذا توسع من مجال تعاون إيران معها في تحقيق مصالحها أو مصالحهما معاً، فالعلاقة وثيقة ورباطها غليظ طالما هناك مصالح مشتركة بينهما.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.