شيء غريب ومريب يحدث في كواليس صناعة القرار في الإدارة الأمريكية تجاه البحرين، فالتحولات السياسية في المواقف الأمريكية ضد البحرين حدثت بمستوى مائة وثمانين درجة! ففي عقد التسعينيات من القرن العشرين كانت البحرين تتعرض لأعمال عنف وتخريب وحرائق وقتل لرجال الشرطة والعمال الآسيويين وتفجير متاجرهم، من جماعات محسوبين حاليا على جمعية (الوفاق)، ومحرضين في الداخل والخارج، وكانوا يلقون تأييدا (غير مباشر) ومساندة لوجستية من بريطانيا عن طريق توفير اللجوء السياسي للمتورطين في تلك الأعمال الإرهابية في البحرين.
وكانت الإدارة الأمريكية في التسعينيات طوال فترة أعمال العنف التي شهدتها البحرين متعاطفة مع دولة البحرين، بل كانت تدين صراحة تلك الأعمال، بل كنا في الصحافة آنذاك نشهد بوضوح الموقف الأمريكي المتعاطف مع دولة البحرين.. وحين جاء جلالة الملك المفدى بمشروعه الإصلاحي، ودخل بالبحرين في التجربة الديمقراطية والانتخابات النيابية والبلدية، ودستور عصري للبلاد ضمن الملكية الدستورية، تعاطفت معه الإدارة الأمريكية أيضا، وخرجت تصريحات رسمية أمريكية كثيرة تشيد بالتجربة البحرينية، بل ان بعضها جاء ليجعل من البحرين نموذجا ديمقراطيا لمنطقة الخليج العربي بأكملها، الأمر الذي أزعج بعض الدول المجاورة.
شهر العسل السياسي بين المنامة وواشنطن لم يدم طويلا، وتشابكت خيوط كثيرة في المنطقة (التورط السياسي والعسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق وباكستان واليمن)، منذ أن أقامت الإدارة الأمريكية جسرا من العلاقات الثنائية المميزة عبر سفارتها في البحرين مع (جمعية الوفاق الإسلامية) عام 2005م بدأت تتغير المواقف الأمريكية من مملكة البحرين، وفجأة تحولت البحرين في العيون الأمريكية من ذلك الحمل الوديع الذي تعده نموذجا ديمقراطيا للآخرين في المنطقة إلى (وحش)، لا يقل سوءا عن سوريا وليبيا!
ربما جمعية (الوفاق) أعطت صورة غير سليمة وغير موضوعية عن التجربة الديمقراطية في البحرين، وربما أعطت صورة سوداوية معتمة عن حقيقة الأوضاع المذهبية! وربما استطاعت التمويه بأنه ليس لها علاقة بولاية الفقيه في ايران! وهناك أكثر من (ربما) تدخل في الموضوع، لكن يبقى أن نعرف أن (الإدارة الامريكية) ليست بهذه السذاجة، وتعرف جيدا كيف تخرج الإبرة من كومة القش!
إذن، لماذا تفعل أمريكا ما تفعله في البحرين حاليا؟! تماما مثلما انتقل ملف (وعد بلفور) من الحماية البريطانية الى الحماية الأمريكية!
إنها تريد استخدام البحرين ساحة اختبار لبقية دول مجلس التعاون الخليجي، واشعار الآخرين ان السوط الأمريكي قادم اليكم ان لم تذعنوا لما نريد!.. وان أمريكا مستعدة أن تبيع أجزاء من المنطقة العربية في الخليج لايران إذا اقتضت مصلحتها ذلك!.. ففي (السياسة) لا يوجد أصدقاء دائمون بل مصالح دائمة!
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.