A Military Coup in Syria

<--

لا شك أن الولايات المتحدة الأميركية، وفي الأيام واللحظات القليلة التي سبقت سقوط نظام مبارك، وباستخدام وسائل الترغيب والإغواء المتمثلة بالتذكير بما يتلقاه الجيش المصري من دعم أميركي مباشر، وكذلك لضيق الوقت، قد حاولت أن تضع أنفها في ذلك المربع الخطر؛ وأجرت مجموعات كبيرة من الاتصالات والاجتماعات لتفهم التوجه العام للمجلس العسكري المصري، وما ستؤول إليه الأمور بعد رحيل مبارك. وعندها فقط، أعلن الرئيس أوباما أن على مبارك نقل السلطة والرحيل. وكانت الاستخبارات الأميركية قد توقعت توفر خيار الانقلاب العسكري الناعم وتسلم الجيش السلطة، واعتباره الخيار الأكثر جموحا في ذلك الوقت، كما ذكر أحد المواقع الاستخبارية الأميركية الذي نشر تحليلا يؤكد فيه تلك التوقعات.

الأحداث الساخنة في سورية، وكما أيقظت المئات من عملاء الاستخبارات العالمية للوقوف على أي تطور يمكن أن يؤسس لحدث جلل طارئ، لتقديم التوقعات والتقارير لصنّاع القرار السياسي، فلا شك أنها حرّكت أيضا جحافل الاستخبارات الأميركية التي تعرّضت للتقريع الشديد يوم سقوط نظام زين العابدين بن علي المفاجئ بسبب غفلتهم عن تقديم أي تصورات لتصاعد الثورة التونسية لتصل مرحلة تغيير النظام كليا، في زمن قياسي.

بالنسبة لسورية، فليس هناك كثير ممن يجادلون أن الاستخبارات الأميركية، وكذلك الإدارة السياسية، ميالة لتطبيق النموذج المصري. وقد يرى البعض أنها قد بدأت فعلا بعض المحاولات، لكنها تواجه عقبات منها أن أميركا لا تقدم دعما ماليا للجيش السوري، وكذلك لا يرتبط كبار ضباط الجيش السوري بأي علاقات رفيعة مع القادة العسكريين الأميركيين. يقول محللون إن القيادة المصغرة هناك محكمة الإغلاق، وكل من يدور في حلقاتها لم يتخرج من مدارس المرجعية العسكرية الأميركية، وليس من السهولة بمكان أن تُقدم الاستخبارات الأميركية على حماقة الإغواء المباشر لبعض الضباط “المهمين”، في الدائرة الأكبر قليلا، أولئك الذين “يبلعون” بصمت انجراف النظام السوري نحو الهاوية. وقد لا تستطيع أيضا شراء بعض الضمائر كما فعلت في العراق العام 2003، مع أن الاستخبارات الأميركية، كما يرى المتخصصون، تفضل انقلاباً عسكرياً هادئاً في سورية، وترجحه على أي خيار آخر، والذي يضمن نقل السلطة إلى مجلس عسكري مقبول لدى الشارع ثم التدرج مع حكومة مؤقتة تؤسس للديمقراطية بدون تدخل عسكري غربي. وقد يكون السبب بعض التقارير التي ترفض تكرار ما حدث في ليبيا، وتحذر وتنبه صناع القرار السياسي من التجمهر والتخبط من خلال “الناتو”، واكتساب أعداء جدد هم بأمس الحاجة إلى النظر إليهم كأصدقاء في المرحلة الحالية.

لكن الرئيس الأميركي أوباما ظهر مؤخرا، وبصورة مفاجئة، يطالب الرئيس السوري بالرحيل! فما الذي يحدث فعلا؟ هل جرى الترتيب لانقلاب عسكري في سورية وهم بانتظار ساعة الصفر الآن، أم أن المسألة لا تعدو كونها “تكتيكا” سياسيا لترفع أميركا صوتها فوق الصوت التركي والسعودي والأوروبي، وفوق صوت الثورة، لتثبت أنها موجودة فقط، وهل يُحتمل أن تترك الاستخبارات الأميركية نفسها في وضع “التقريع” و”الترقيع” مرة أخرى؟

قبل شهور، ومع انطلاقة الثورة السورية، قلنا إن آخر فرصة لدى النظام السوري تكمن في التحرك فورا لاعتقال رموز القتل والفساد وفتح صفحة جديدة ديمقراطية مع الشعب، وقلنا للثوار إنهم بحاجة ماسة إلى “الإجماع” و”العاصمة” و”الجيش”. وبما أن الرئيس السوري لم يستمع لكثير النصح الذي تلقاه في البدايات، وأصبح يتلذذ بسفك دماء الأبرياء، ووقع في الخطيئة التي لن تغتفر، فإن الثوار والمعارضين في الداخل وفي الخارج مطالبون بتوحيد جهودهم وقيادتهم لكسب العاصمة واستمالة ضباط الجيش، ووضع مخطط لمرحلة ما بعد سقوط النظام، وقبل أن تضع الولايات المتحدة يدها على الثورة وتنسبها لنفسها، كما يروج بعض الحمقى الآن عن الثورات العربية الأخرى.

About this publication