American Projects for the Region

<--

مشاريع الولايات المتحدة الأمريكية للمنطقة * فـــؤاد دبـــور

عملت الإدارات الأمريكية، وما تزال، على اعداد وطرح مشاريع وخطط ترسم واقع المنطقة المسماة بالشرق الأوسط ومستقبلها بعامة والوطن العربي بخاصة حيث تقع معظم أقطاره في هذه المنطقة، وذلك بهدف إعادة ترتيب المنطقة جغرافيا عبر تمزيق خرائطها القائمة لتحل مكانها وحدات جغرافية تقوم على أسس عرقية وطائفية ومذهبية، أي تفتيت أقطار الوطن العربي وإضعاف الأمة العربية بما يسهل الوصول إلى تحقيق المصالح الأمريكية والصهيونية، اقتصاديا عبر تأمين السيطرة الأمريكية على منابع النفط وممراته والتحكم بصياغة حاضر الأمة ومستقبلها، ومن اجل ذلك أقامت قواعد عسكرية برية وبحرية وجوية في العديد من دول المنطقة وبحارها، وفي السياق الاقتصادي فإنها تعمل أيضا من اجل إقامة سوق شرق أوسطية يكون للكيان الصهيوني مكانة بارزة ومحورية في هذه السوق.

كما تهدف هذه المشاريع إلى تصفية القضية الفلسطينية والمحافظة على أمن الكيان الصهيوني عبر الدفع باتجاه التوصل إلى تسوية للصراع العربي الصهيوني وفقا للرؤية الصهيونية مثلما تهدف هذه المشاريع أيضا وبخاصة مشروع الشرق الأوسط الذي أخذت أجهزة الإعلام الأمريكية والصهيونية تروج له ضمن مفاهيم ومدلولات تنزع الصفة العربية عن أقطار الوطن العربي، ذلك لان أي تسمية مقبولة عندهم عدا الاسم الحقيقي الذي هو الوطن العربي فكانت تسميه المنطقة بالشرق الأوسط.

طبعا، نعود لنؤكد على أن هذه المشاريع قد ارتكزت على غطرسة القوة وجبروتها في محاولة لاستمرار فرض الهيمنة والسيطرة على مقدرات الأمة في ظل غياب التوحد العربي ، ولقد كان لإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الاهتمام الأبرز في طرح هذه المشاريع واتخاذ الإجراءات العملية لتحقيقها، وعلى هذه الخلفية شنت هذه الإدارة الحرب العدوانية على العراق بذريعة كاذبة تتعلق بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وقد أسفرت هذه الحرب عن تغييرات شاملة في أوضاع هذا القطر العربي حيث تم إسقاط النظام وتفكك الدولة ومؤسساتها والمجتمع فيها، وزرع بذور الفتنة والانقسام في صفوف الشعب كخطوة أولى على تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، لكن بفضل المقاومة العراقية الباسلة التي تصدت لقوات الاحتلال الأمريكي والتأييد الشعبي العارم في الوطن العربي لهذه المقاومة والرفض التام لهذه الحرب العدوانية تم إجهاض هذه الخطوة مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن مخرج لازمتها بدلا من تنفيذ مشروعها وقد كان للقطر العربي السوري دور بارز في إفشال هذه الخطوة عبر دعمها للمقاومة العراقية مما دفع بالإدارة الأمريكية ومعها فرنسا لأسباب سياسية واقتصادية باتت معروفة ممارسة الضغوط على سورية عبر استصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي تستهدفها ويأتي القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي المسيطر عليه أمريكا في شهر أيلول عام 2004م الذي استهدف إضعاف سورية عبر دفعها إلى الخروج من لبنان مثلما استهدف هذا القرار إضعاف المقاومة الوطنية اللبنانية الحليف الاستراتيجي لسورية واستخدام لبنان قاعدة انطلاق لتطويق المواقف الرافضة للمشاريع الأمريكية، وفي هذا السياق يمكن فهم ابعاد الحرب العدوانية الأمريكية بالأداة الصهيونية على لبنان ومقاومته في الثاني عشر من تموز عام 2006 وهذا ما أكدت عليه وزيرة خارجية إدارة الرئيس بوش، كوندليزارايس في بيروت في الأسبوع الأول من إشعال هذه الحرب، حيث اعلنت وبوضوح بأننا نشهد ولادة شرق أوسط جديد.

وبالفعل فقد ولد شرق أوسط جديد ولكن ليس بالمعايير الأمريكية كما خطط لها حيث جاء هذا الشرق الأوسط معاديا للمشاريع الأمريكية ومجهضا لها، بسبب صمود المقاومة وإفشالها لأهداف هذه الحرب السياسية وكذلك بسبب موقف سورية الداعم والمساند لهذه المقاومة وهذا جعل الإدارة الأمريكية البوشية السابقة وإدارة اوباما اللاحقة تحقد على سورية والمقاومة وتبذل الجهود المكثفة لحرف السياسة السورية عن مسارها الرافض الذي يتصدى للمشاريع الأمريكية الصهيونية والمؤيد والداعم للمقاومة الفلسطينية واللبنانية التي تواجه العدو الصهيوني والتي تقيم تحالفا استراتيجيا مع إيران التي تدعم بدورها المقاومة في فلسطين ولبنان وترفض إقامة شرق أوسط تحت الهيمنة الأمريكية الصهيونية، ولما فشلت الإدارة البوشية وإدارة اوباما في تعديل السياسة السورية رغم استخدام الوسائل المتعددة وبخاصة سياسة الضغوط بالقرارات والقوانين، قانون محاسبة سورية وحصارها وقرار 1559 مثلما أسلفنا والمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري وشن العدوان على لبنان، أقدمت إدارة الرئيس اوباما ومعها الأدوات من الحلفاء والعملاء والاعوان على توظيف الحالة العربية والتحركات الشعبية في عدد من أقطار الوطن العربي فأقدمت على صنع حالة مماثلة في سورية جندت لها وسائل إعلام وأقلاما ومعارضات سورية طالما ارتبطت بالمشروع الأمريكي وكل ذلك من اجل معاقبتها على مواقفها من جهة وإضعافها لإجبارها على تغيير نهجها ومسارها السياسي الوطني والقومي من جهة أخرى وإلا فالعمل على محاولة إسقاط النظام، لكن بالرغم من مجريات الأحداث المؤلمة في سورية وبالغرم من نجاح الإدارة الأمريكية ومعها الصهاينة والعديد من الشركاء من دفع عصابات إرهابية لزعزعة امن سورية واستقرارها فقد فشلت حتى الآن، وستفشل في المستقبل القريب، في إخضاع سورية وجعلها ترضخ للاشتراطات الأمريكية، حيث ستبقى سورية متمسكة بمواقفها الوطنية والقومية وبمقاومة السياسات الاستعمارية والامبريالية والصهيونية في المنطقة وذلك من خلال التفاف الشعب العربي السوري حول القيادة التي انتهجت هذه السياسة من جهة ولان القيادة السورية قد أبطلت مفعول مقولة الحرص الأمريكي على الحرية والديمقراطية والإصلاحات في سورية حيث استجابت القيادة لمطالب الشعب المحقة والمشروعة في صياغة القوانين الناظمة للديمقراطية بدءا بقانون انتخاب وقانون أحزاب وقانون إعلام مثلما أقدمت على إجراءات متعددة تخدم هدف الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومكافحة الفساد بكل أنواعه.

ونقول، يبدو أن الدول الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لم تقتنع حتى الان بالإقلاع عن الممارسات والأساليب الاستعمارية القائمة على القوة ونظرة الاستعلاء على شعوب العالم وما زالوا يعتقدون رغم الانتكاسات والفشل الذي أصابهم في العراق وأفغانستان ولبنان وكذلك في ليبيا حيث لم تنجح قواتهم في إسقاط النظام رغم القتل والعدوان والدمار المستمر منذ أشهر، نعم ما زالوا يعتقدون بقدرتهم على فرض إرادتهم على شعوب تدرك ابعاد أهداف مشاريعهم مما يجعلها تقاوم سياساتهم وتعمل على عزل أدواتهم التي تمارس القتل وتدمير المؤسسات الوطنية العامة والخاصة مقابل حفنة دولارات تلطخ بدماء المواطنين من مدنيين وعسكريين.

وتدرك أيضا جماهير الشعب المستهدف بأن المواجهة مع المشاريع الأمريكية الصهيونية تتطلب ترسيخ الوحدة الوطنية والتمسك بالمقاومة الفاعلة وحشد الطاقات وزجها في معركة المواجهة والانتصار على المشاريع الأمريكية ومنعها من تحقيق أهدافها.

About this publication