بغداد ـ عادل الجبوري
بعد ساعات قلائل من وقوع سلسلة من العمليات الإرهابية المسلحة في عدد من محافظات ومدن العراق الاثنين الماضي، أعلن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين مسؤوليته عن ثمانية وعشرين هجوماً مسلحاً ضد زوار شيعة وأفراد أمن نفذها خلال الأسابيع القلائل الماضية.
وكانت مدينة كربلاء المقدسة ومدن أخرى قد شهدت عمليات إرهابية استهدفت الزائرين المتوجهين الى مرقد الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) لاحياء ذكرى ولادة الإمام المهدي المنتظر(عج) في الخامس عشر من شهر شعبان.
وبث التنظيم على عدد من المواقع الالكترونية المحسوبة عليه “ان من بين العمليات التي نفذها تفجير سيارتين داخل موقف للمركبات في كربلاء اتخذته الأجهزة الأمنية نقطة عبور وحاجزاً لمرور المواكب الصفوية في ما يعرف بالزيارة الشعبانية ما أدى إلى مقتل وإصابة مئة شخص”!.
تصعيد العمليات الارهابية لتنظيم القاعدة وإعلانه الصريح عن ضلوعه بقتل الزائرين وعودته الى استخدام العبارات والمفردات ذات الصبغة الطائفية، جاء في وقت تشهد فيه الساحة العراقية أوضاعا سياسية مرتبكة ارتباطا بالجمود السياسي وعمق الخلافات والتقاطعات بين الفرقاء ، وخصوصا بين زعيمي ائتلاف “دولة القانون” و”القائمة العراقية” نوري المالكي واياد علاوي، بشأن جملة من القضايا، أبرزها المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية، والوزارات الأمنية، وكذلك ارتباطا بالجدل والسجال المحتدم حول مصير القوات الأميركية في العراق بعد نهاية العام الجاري.
واذا كان بعض الساسة العراقيين يعتبرون ان التجاذبات والمماحكات والتقاطعات السياسية الحادة بين الفرقاء إنعكست سلبا على الواقع الحياتي والخدمي لعموم المواطنين العراقيين، فإن ذات التجاذبات والمماحكات والتقاطعات ساهمت في المزيد من التردي الأمني، وأكثر من ذلك فتحت الأبواب وراحت تهيئ الأرضيات لبقاء القوات الأميركية لفترة أطول في البلاد، وهذا ما اعترف به صراحة الرئيس العراقي جلال الطالباني، حينما ألقى باللائمة على خلافات السياسيين معتبراً أنها السبب وراء التردي الخطير في الأوضاع الأمنية.
ويتحدث نواب برلمان ومسؤولون في الحكومة ـ تصريحا وتلميحا ـ عن ان الأجواء السياسية الراهنة تساعد على بقاء القوات الأجنبية، من خلال توفيرها الذرائع والحجج لذلك البقاء، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
ويؤكد بعض المطلعين على طبيعة النقاشات والحوارات السياسية خلف الكواليس، أن معظم من يرفضون بقاء القوات الأميركية بعد نهاية العام الجاري علنا، يتبنون مواقف اخرى مختلفة في السر، ويحرصون على استخدام هذا الموضوع الخطير كورقة للمساومة من أجل تحقيق مكاسب سياسية معينة على حساب المنافسين والخصوم.
وتذهب أوساط سياسية وإعلامية الى أن أطرافا عديدة تقف وراء العمليات الإرهابية الأخيرة، بعضها خارجية وبعضها الاخر داخلية، وبعضها مشاركة في العملية السياسية بمختلف مفاصلها. وكل ذلك من أجل الإبقاء على الوجود العسكري الأجنبي فترة أطول.
ولعل التصريحات التي أدلى بها عضو لجنة الامن والدفاع البرلمانية، عمار طعمة تحمل دلالات ومؤشرات مهمة تعزز ما ذهبت اليه الأوساط السياسية والاعلامية المشار اليها، حيث يقول طعمة “انه بالرغم من ورود معلومات استخباراتية حول نية المجاميع الإرهابية القيام بضربات نوعية قبل اسبوع من تفجيرت الاثنين الماضي، إلا أن القوات الأمنية لم تقم بأية فعاليات استباقية تربك الجماعات الإرهابية وتسلبها راحة التخطيط والتنفيذ”.
ويضيف النائب عن “الائتلاف الوطني” العراقي “ان عدم تعامل القوات الأمنية مع تلك المعلومات بشكل جدي وحالة الاطمئنان التي تنتابها عند مرور فترات زمنية طويلة على عدم حصول عمليات ارهابية اسهمت في ما حصل يوم الاثنين الماضي من تفجيرات”.
الى جانب ذلك فإن القادة الأمنيين في محافظة واسط، التي كانت من بين المحافظات العراقية التي استهدفتها سلسلة العمليات الارهابية الاخيرة، أكدوا “ان هناك خلايا نائمة في واسط وأعدادها في تزايد وتنشط بين الحين والآخر، وهذه تعد حاضنة للارهاب، لذلك تستغل في بعض الأحيان استقرار الوضع الامني وعودة القطعات الأمنية الى واجبها الاعتيادي لتنفيذ عمليات ارهابية”.
في الوقت ذاته، يشير مسؤول مجالس الصحوات في محافظة ديالى (120 كم شرقي بغداد) خالد اللهيبي إلى استعادة الخلايا النائمة لتنظيم القاعدة نشاطها في المحافظة خلال الآونة الاخيرة، اثر اطلاق العديد من قيادات التنظيم من سجون الاجهزة الامنية، داعيا الجهات المختصة الى إنهاء ظاهرة الفساد داخل المنظومة الأمنية، والتدقيق في ملفات المعتقلين قبل اطلاق سراحهم من أجل منع اطلاق اي شخص متورط بأعمال عنف”.
وربما كانت العمليات الإرهابية الأخيرة رسالة رد واضحة ومفهومة على رؤية رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، القائلة بأن القوات الأمنية والعسكرية قادرة على حفظ الأمن الداخلي، لكنها تفتقر الى القدرة الكافية على التصدي لأي اعتداءات خارجية، فالعمليات الأخيرة اشارت بوضوح الى وجود خلل وضعف كبيرين في مستوى أداء وحرفية القوات والأجهزة الأمنية العراقية، وهو ما شجع الداعين الى بقاء القوات الاميركية الى التحدث بجرأة وصراحة أكبر عن أهمية الابقاء على عدد من القوات الأميركية في العراق، ليرد عليهم معارضو البقاء بالقول كيف يمكن لعشرين ألف جندي أميركي يراد إبقاؤهم لأغراض التدريب أن يحافظوا على الأمن في العراق بعد عام 2011 بينما فشل أكثر من مائة وسبعين الف جندي في فعل أي شيء أمام موجة الارهاب العاتية التي ضربت البلاد في عامي 2005 و2006. بل على العكس من ذلك فإن القوات الأميركية يمكن ان تكون قد زادت الطين بلة عبر الاساليب والسياقات الخاطئة التي لجأت اليها في كثير من الاحيان.
كان من الممكن جدا ان تكبح القوات الاميركية جماح تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى في العراق قبل سنين لو أرادت ذلك بالفعل، بيد انها كانت ـ وما زالت ـ تستخدم معايير ازدواجية في التعاطي مع هذا الملف، واليوم فإن تصعيد تنظيم القاعدة لعملياته في مختلف مدن العراق قد لا يخرج عن اطار وسياق التحركات لبقاء القوات الاميركية في العراق، وبمساهمة ومساعدة من اطراف اقليمية ـ عربية تسعى الى الابقاء عليها لتبقى عامل تهديد لاطراف اقليمية اخرى مثل ايران بالدرجة الاساس.
وقبل عدة اسابيع تداولت بعض وسائل الاعلام تقارير عن تحركات محمومة للمخابرات السعودية في العراق لإثارة الفتنة وتأزيم الاوضاع . وجاء في التقارير “ان تعليمات خطيرة موجهة من قبل المخابرات السعودية عثر عليها مع احد الارهابيين، توجه بعض الخلايا الخاصة المرتبطة مباشرة بها وبعض الكتائب المتخصصة بالاغتيال وعلى وجه السرعة بالقيام بعمليات اغتيال وحشية وبكثافة وبمعدل يومي لا يقل عن خمسة الى عشرة اشخاص تنال من شخصيات سنية تشمل السياسيين ورجال الدين والعلماء والاساتذة وبعض الشخصيات البارزة اجتماعيا وبعض شيوخ العشائر، إضافة الى القتل العشوائي في الشوارع وعبر عمليات ذبح وقطع الرؤوس وتصويرها مع ايحاء بأنها انتقام من قبل الشيعة رداً على جرائم بشعة كجريمة عرس الدجيل”.
وتضيف التقارير “ان التعليمات احتوت على معلومات تفيد بتوجيه يطالب هذه الخلايا بالتحرك على اختراق ما اسموه بالميليشيات الشيعية، ودفع مبالغ طائلة من أجل هذا الهدف والاسراع بتوجيه بعض العناصر بضرب الامريكيين بكثافة في هذه المرحلة وبصورة عشوائية تنال منهم ومن المواطنين الأبرياء لخلق حالة من التذمر والذعر وترك آثار تدل على ان السلاح المستخدم هو إيراني، وايضا ضرب بعض المواقع في مدن الأنبار والموصل وبكثافة بحجة التعامل مع الامريكيين، وان يتم تبني هذه العمليات من خلال اشرطة مصورة توحي عبر بعض الشعارات انها تحمل مسحة شيعية”.
وتضيف التقارير ان هذا التصعيد يأتي متزامنا مع استحقاقات الانسحاب الامريكي لأجل تبرير بقاء الاميركيين فترة اطول وتزامنا مع الحراك الذي تقوده بعض الاطراف القيادية في “القائمة العراقية” من أجل إعلان المنطقة الغربية إقليما فيدراليا يبدأ باعلان إقليم الانبار وبعدها الاندماج بالمحافظات الأخرى صلاح الدين ونينوى”.
ويبدو ان المشهد العراقي مقبل خلال الاشهر القليلة المقبلة على المزيد من التصعيد الأمني والاحتقان والتصادم السياسي ليحل عام 2012 من دون ان تتغير وتتبدل حقائق الوقائع نحو الأفضل ان لم تكن .قد اتجهت نحو الأسوأ
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.