Black Pages: The American Industry of Fear

 .
Posted on September 10, 2011.

<--

صفحات سوداء… صناعة الخوف الأميركية

تاريخ النشر: الجمعة 26 أغسطس 2011

معظم الأميركيين ومعهم العديد من مواطني دول العالم عادة ما ينظرون إلى أميركا باعتبارها منارة الحرية والديمقراطية المضيئة في العالم والمدافعة الأولى عن العالم الحر وحقوق الإنسان كما رُوج لذلك خلال الحرب الباردة في المواجهة الأيديولوجية مع الشيوعية، ولكنهم يجهلون حقيقة التطور الديمقراطي في أميركا والتجاوزات التي ارتبكت وما زالت ترتكب بذرائع عديدة ومسميات مختلفة، إما تحت دعاوى حماية الوطن والدفاع عن الأمن القومي، أو محاربة الإرهاب وضرب عناصره، ولذا يأتي الكتاب الذي نعرضه اليوم للكاتب “جاي فيلدمان” بعنوان “صناعة الهستيريا: تاريخ من إلقاء اللوم على الآخر والمراقبة والسرية في أميركا المعاصرة” ليسلط الضوء على سجل أميركا الحافل بالتجاوزات التي طالت المهاجرين، بل حتى المواطنين الأميركيين الذين تبنوا وجهات نظر تتمايز عن المؤسسة الرسمية. كما يوضح الكتاب كيف سعت السلطات إلى تشويه سمعة الآخر حتى لو كان داخل أميركا وبث أجواء من الخوف والذعر داخل المجتمع لتبرير ممارساتها المشينة في حقهم.

ولكشف صفحة قاتمة في التاريخ الأميركي يركز الكاتب على الفترة التي سبقت وتلت مباشرة الحرب العالمية الأولى، حيث قامت السلطات بترحيل الآلاف من دعاة السلام ومن النقابيين وباقي المعارضين للحكومة، تلك الترحيلات التي أشعلت شرارة الخوف من الأجنبي والمهاجر في المجتمع الأميركي وسهلت على الحكومة في مراحل لاحقة، وتحديداً في ثلاثينات القرن الماضي، شن حملة واسعة تستهدف المهاجرين المكسيكيين، انتهت في الخمسينيات بترحيل ما لا يقل عن 500 ألف مكسيكي من تكساس، كان عدد كبير منهم يحمل الجنسية الأميركية.

ويبدأ فيلدمان بقرار المشاركة الأميركية في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء بعد فترة من التردد سيطرت على المؤسسة الرسمية، ولكن ما أن اتخذ القرار حتى عمدت السلطات إلى تعبئة الرأي العام وتجييشه استعداداً لإرسال القوات الأميركية إلى أوروبا، ولتأمين الإجماع لم يكن يُسمح للعديد من الأميركيين التعبير عن رغبتهم في البقاء على الحياد، لاسيما جزء مهم من المواطنين الذين ينحدرون من أصول ألمانية، وهكذا ندد الرئيس “وودرو ويلسون” أثناء التعبئة العامة بالأميركيين “ذوي الولاء المزدوج”، وقد شكل هذا التمييز ضد الأميركيين ونعتهم بأقذع النعوت امتداداً لممارسات سابقة وصراعات قديمة ورثتها أميركا منذ نهاية القرن التاسع عشر عندما صب المواطنون الأميركيون الذين سموا أنفسهم بالأصليين جام غضبهم على المهاجرين الإيرلنديين الكاثوليك والصينيين. بل حتى الأميركيين الذين عارضوا الحرب من منطلقات دينية محضة كبعض الطوائف المسيحية الداعية للسلام وجدت نفسها محل شك وريبة عبر عنهما عمدة نيويورك “جون بوري” الذي قال “نحن اليوم مقسمون إلى قسمين: الأميركيون والخونة”، وفي ظل هذه الأجواء المتوترة التي تحمل فيها المهاجرون والمعارضون للحرب العبء الأكبر من الضغوط المتمثلة في الملاحقات غير المبررة والاعتقالات العشوائية والمراقبة غير القانونية كان لابد للكونجرس أن يواكب حالة الخوف والشك التي سعت السلطات إلى تكريسها من خلال إقرار قانون يحد من الحريات المدنية للأميركيين.

بيد أن التضييق الذي ساد قبيل وأثناء الحرب العالمية الأولى استمر كما يوضح الكاتب حتى بعد انتهاء الحرب ليستهدف هذه المرة العمال من خلال تكتلهم الذي عرف وقتها باتحاد “عمال العالم الصناعيين”، من خلال ترحيل العمال والتضييق عليهم لتصل هذه العملية إلى ذروتها فيما يعرف بـ”هجمات بالمر” الذي تنسب إليه حملة شرسة شنها ضد النقابيين من العمال المهاجرين، حيث استغل حادثة تعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة ليلاحق العمال ويرحل المئات منهم دون محاكمة، ومع أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان على علم بجماعة متطرفة تقف وراء الحادث، إلا أنه تعمد ترك القضية مفتوحة والتحقيق متواصلًا لتوجيه الأنظار صوب العمال المهاجرين، في عملية اعتبرت تمهيداً لما سيعانيه المواطنون الأميركيون من أصول يابانية خلال الحرب العالمية الثانية عندما احتجزتهم الحكومة الأميركية في معسكرات خاضعة للحراسة، بل إن الكاتب يشير إلى امتداد نفس الممارسات المنتهكة لحقوق الإنسان حتى بعد تلك الفترة لتصل إلى الخمسينيات في الحقبة المعروفة باسم “المكارثية”، حيث طغى التخويف من الخطر الشيوعي الداخلي وملاحقة رموز الفن والسياسة في أميركا بدعوى الانتماء إلى الشيوعية. وستستمر بعض تلك الصفحات السوداء في التاريخ الأميركي، التي لجأت فيه السلطات إلى تخويف الشعب لتمرير قوانين جائرة ضد حقوق الإنسان والحريات، من خلال قانون “الوطني” الذي أقره الرئيس السابق بوش ويتيح للأجهزة الأمنية التنصت على الأميركيين والتجسس عليهم بدعوى محاربة الإرهاب ضاربة عرض الحائط بمبادئ الديمقراطية والحرية التي تنصب أميركا نفسها المدافع الأول عنها في العالم.

زهير الكساب

——-

الكتاب: صناعة الهستيريا: تاريخ من إلقاء اللوم على الآخر والمراقبة والسرية في أميركا المعاصرة

المؤلف: جاي فيلدمان

الناشر: بانثيون

تاريخ النشر:2011

اقرأ المزيد : وجهات نظر | صفحات سوداء… صناعة الخوف الأميركية | Al Ittihad Newspaper – جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=61036#ixzz1XCUJsCuV

About this publication