Pliers of U.S. Aid

<--

كماشة المعونات الأمريكية

طوال سنوات كانت المعارضة المصرية الوطنية في عهد مبارك تقول إن المعونة الأمريكية تضعف مصر ولا تقويها.

خبراء الاقتصاد المصري المحايدون أكدوا مرارا أن هذه المعونة كانت تذهب لدعم المزارع والصانع الأمريكي، ثم تأتى إلى مصر في هيئة مشروعات محددة مصحوبة بخبراء أمريكيين يتقاضون مبالغ طائلة.

كثير من الناس نسوا أن المعونة مشروطة بالتزام مصر بمعاهدة السلام مع العدو الصهيوني عام 1979. ما كان خافيا في الماضي وحاول نظام مبارك ستره صار جليا الآن لأن اللعب أصبح على المكشوف.

التقرير الصادر عن وحدة أبحاث الكونجرس الأمريكي قبل أيام قال إن اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في الكونجرس وافقت في 27 يوليو الماضي على المعونة المقدمة لمصر في العام المقبل وقيمتها 1551 مليون دولار منها 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية لكن بشروط.

أولها أن تلتزم مصر باتفاق السلام مع إسرائيل، وأن تستخدم هذه المعونة لحماية الحدود مع الكيان الغاصب.. بمعنى أوضح ستذهب هذه الأموال إلى إسرائيل، لكن بطريق غير مباشر، لأن واشنطن تريدنا أن نحمى حدود إسرائيل ونقيم الأسوار وندمر الأنفاق ونتفرع فقط لمنع المتسللين من دخول إسرائيل وحصار قطاع غزة لمصلحة إسرائيل أيضا.

أما الشرط الأغرب فهو أن تقدم وزيرة الخارجية الأمريكية شهادة تؤكد فيها أن مصر لا تحكمها منظمة إرهابية، وهو شرط غريب لأنه غير واضح، أولا ما هو المقصود بالمنظمة الإرهابية، وهل لو فاز الإخوان المسلمون أو التيار الديني مثلا بالأغلبية بطريقة ديمقراطية يتحولون إلى منظمة إرهابية على غرار ما فعلت أمريكا وإسرائيل ونظام مبارك مع حركة حماس في غزة؟!.

كل يوم يتأكد لنا مقدار الخسارة الجسيمة التي تكبدتها الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل وكل النظم المتخلفة في المنطقة بسقوط نظام حسنى مبارك.

وعندما نربط بين الشروط الجائرة التي تحاول واشنطن فرضها علينا لتقديم المعونة وبين رفضها إعلان أي ضوابط وهى تقدم المعونات والمنح والمساعدات لمنظمات المجتمع المدني في مصر.. يصبح الأمر في حاجة إلى مراجعة. أمريكا تمنع الحكومة المصرية من اختيار المشروعات التي تذهب إليها أموال المعونات، وفى الوقت نفسه هي تريد أن تقدم منحا ومساعدات لمنظمات مصرية من وراء ظهر الدولة، حتى لو كانت هذه المنظمات غير مسجلة وغير معترف بها قانونا، الأمر الذي قد يحولها إلى أداة في يد أمريكا وضد المصالح المصرية العليا.

إذن نحن أمام تناقض شديد ومريب: معونة أمريكية مقدمة للحكومة المصرية كي تواصل سياسة ترك إسرائيل تعربد في المنطقة كيفما شاءت، ومعونة مقدمة إلى منظمات أهلية في الداخل المصري لفرض أجندة سياسية محددة وتقوية تيار على حساب آخر

لست أشكك في معظم منظمات المجتمع المدني المصري أو حتى في تلقيها معونات شرط أن تكون معلنة وكيف تم إنفاقها، لكنني أتشكك ــ بالمطلق ــ في النوايا الأمريكية التي تريد زرع أحصنة طروادة في الحياة السياسية المصرية ما قد يحول بعض الشخصيات والتيارات إلى الولاء لمن يقدم لهم الدعم.

إذا كان صانع القرار في مصر يدرك أن عدونا الاستراتيجي هو إسرائيل فعليه ألا ينسى أنه لولا واشنطن ما كانت إسرائيل.

ما سبق ليس دعوة لإعلان الحرب على إسرائيل وأمريكا الآن، لكنها دعوة للتفكير في كيفية مواجهة التحديات الحقيقية في مرحلة ما بعد الاستقرار.

واشنطن وتل أبيب لن تعطيانا مهلة حتى نستقر.. هما بدآ الضغوط مبكرا.. فعلينا الحذر.

About this publication