Old Enough to Buy Watches

<--

«اللي ما يشتري يتفرج»!!

Monday, 5 Sep 2011

ياسر الزعاترة

كل الشكر للسيد جوليان أسانج الذي نتمنى له الحرية الكاملة، فهو سيتيح لنا مادة بالغة الدسم حول السياسة الأمريكية في العالم وفي منطقتنا على وجه الخصوص، في ذات الوقت الذي سيمنح الثورات العربية مادة رائعة حول فضائح بعض الأنظمة والقوى السياسية خلال الألفية الجديدة.

لن يكون ما نشر سابقا من وثائق ويكيليكس سوى نقطة في بحر المادة الجديدة بعد أن قرر صاحبنا نشر جميع ما لديه من وثائق (حوالي ربع مليون وثيقة) دون أي تعديل، الأمر الذي سيتيح للعالم بضاعة رائعة حول السياسة الأمريكية والنميمة السياسية وغير السياسية في عدد كبير من دول العالم.

الذين تنفسوا الصعداء بعد أن مرت العاصفة الأولى دون أن تصيبهم أخذوا يتحسسون رؤوسهم الآن، فليس ثمة بلد إلا وستخرج فضائحه على الملأ، وسيكون بوسع الناس الاطلاع على ما خفي من مواقف ومراسلات وتصريحات ودسائس.

عشرات الآلاف من الوثائق التي تخص السياسة والأمن والاقتصاد في منطقتنا، لاسيما العواصم الكبيرة والرئيسة، مع أن أحدا لن ينجو من العاصفة، وستحصل مواقع الإنترنت على مادة دسمة لعدة شهور إذا هي نشطت في الترجمة والنشر من دون أي تعديل أو تحوير في النصوص.

الأسماء ستكون متاحة والوقائع والأرقام، ولن يكون بوسع أحد القول إن دبلوماسيي السفارات الأمريكية كان يتجنون عليه، أو أنه لم يلتق ولم يقل ولم يصرح، إلى غير ذلك من التبريرات التي ستساق من أجل إنكار الحقيقة.

وإذا كانت الجولة الأولى من الوقائع قد أحدثت كل تلك الضجة، فإن الجولة الجديدة سيكون وقعها أكبر بكثير، وستوفر للشارع العربي مادة للتأكد من بؤس السياسة في بلاده وفي أوساط سياسييه.

في العراق سنتابع تفاصيل مذهلة عما جرى قبل وبعد الاحتلال عبر عشرات الآلاف من الوثائق، وسنرى كل أشكال النميمة بين السياسيين ، وسنتابع المشهد دون كثير من الرتوش. سنرى القوى السياسية السنية والشيعية كيف تحرض على بعضها البعض، وسيكون المشهد حشدا من الفضائح المثيرة للدهشة والقرف في آن.

في المشهد الفلسطيني سنعرف الكثير عما جرى خلف الكواليس، وهذه المرة بالأسماء والوقائع، وسنتعرف على حقيقة المواقف الفلسطينية والإسرائيلية حيال كثير من تفاصيل السياسة، مع أن من غير المتوقع أن تنطوي القصة على كثير من المفاجآت، وإن من منحتنا أدلة مهمة تصلح لإفحام الكثيرين، تماما كما كان حال وثائق المفاوضات التي أنكرها القوم لبعض الوقت ثم عادوا واعترفوا بصحتها متعللين بقراءة متعسفة لها من قبل فضائية الجزيرة!!

في المشهد الخليجي سيكون الأمر أكثر إثارة مما يتوقع كثيرون لجهة التفاصيل، وفي عموم المشهد العربي سنتابع الكثير من المواقف المخزية التي ندرك وجودها، لكن الأدلة عليها ليست متوفرة، وحين تتوفر لن تجدي معها سياسة الإنكار، مع أنها ستتواصل على الأرجح.

سنعرف الكثير عن تحريض الأنظمة بعضها على بعض، والزعماء بعضهم على بعض، بل أركان كل حكم بعضهم على بعض، وسنرى المثقفين والسياسيين وكثير من المعارضين وغير المعارضين عراة أمام الرأي العام.

سنرى ماذا يقول زوار السفارات للقائمين عليها، وسنرى كيف يقولون في السر ما لا يقولونه في العلن، وعموما سيكون المشهد أقرب للتسلية منه إلى أي شيء آخر، ولعل الكتاب سيجدون فسحة من البضاعة لكي يتابعوا ويكتبوا من دون أن يجهدوا أنفسهم في البحث عن مواضيع للكتابة اليومية.

هو مشهد بالغ الروعة في واقع الحال، وسنكون ممتنين لأسانج وأصحابه الذين وفروا لنا هذه البضاعة للتسلية والإدانة في آن. التسلية في متابعة واقع سياسي مرير، وفرص الإدانة لمن كانوا يطلقون جماعتهم للرد على من يتحدثون عما يجري بلغة التحليل، إيمانا منهم بما قالته العرب قديما «البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير».

منذ اليوم نتوقع أن تباشر مواقع الإنترنت والمواقع الإخبارية المحترمة، وربما غير المحترمة في التقاط الوثائق وترجمتها ونشرها، وستكون طبيعة النشر تبعا للموقع وسياسته، وسيلتقط كل طرف ما يحلو له من المواد المنشورة، لكن المتابع لن يكتفي بموقع واحد، بل سيمر على مواقع كثيرة ليعرف المزيد من التفاصيل.

لا نعرف كيف ستتعامل الدول مع بضاعة أسانج، وكيف سيحولون بين الناس ومعرفة التفاصيل، لكن المؤكد أن أحدا لن يكون بوسعه حرمان الناس من المعلومات التي ستتدفق تباعا بهذا الشكل أو ذاك.

هي فرصة لتبديد الملل، وفرصة لكشف مصائب السياسة، وفرصة للشارع العربي لكي يتأكد أن لا مناص من تغيير الواقع الذي يعيش بعيدا عن لغة الترقيع التي جربها زمنا طويلا دون جدوى.

المصدر: الحوار عن الدستور الأردنية

About this publication