عندما تولى الرئيس باراك اوباما السلطة في الولايات المتحدة عام ٢٠٠٩، رحب الشعب الفلسطيني بهذا التطور الديموقراطي، الذي أوصل رئيسا أسود، للمرة الأولى، إلى البيت الأبيض الأميركي. وزادت آمال الشعب الفلسطيني بعد أن خاطب اوباما العالم السلامي في القاهرة، معلنا بدء صفحة جديدة من العلاقات بين الغرب والمسلمين تستند إلى التفاهم والتعاون والثقة المتبادلة.
وفي الخطاب نفسه، قال اوباما إنه مع إقامة دولة فلسطينية وضد الاستيطان في كافة الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية،. وطالب القيادة اليمينية الاسرائيلية بالاعتراف بحل الدولتين ووقف الاستيطان. وكان لهذه المطالبة تأثيرها الفوري على رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي رد على خطاب اوباما بخطاب مراوغ في جامعة بار إيلان أعلن فيه، ولو لفظيا، وضمن شروط تعجيزية اعترافه بحل الدولتين، على أن تكون الدولة الفلسطينية “شبح دولة”، منزوعة السلاح وليس فيها أي مقوم من مقومات السيادة.
عقب خطاب القاهرة تصاعدت آمال الفلسطينيين عندما وقفت الإدارة الأميركية الجديدة بجرأة ضد الاستيطان في كل الأراضي المحتلة. لكن هذا الموقف الجريء بدأ في التراجع نتيجة الضغوط الداخلية في الولايات المتحدة، والتي استطاع نتنياهو تحريكها لصالح سياسات حكومته. وما زال التراجع مستمرا حتى الآن. وسيبلغ ذروته إذا صوتت الولايات المتحدة بالفيتو في مجلس الأمن الدولي على طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين المستقلة في الأمم المتحدة.
وما نريد التأكيد عليه هنا، هو أن الشعب الفلسطيني ليس عدوا للولايات المتحدة، ولم يقم بأي عمل من شأنه الإساءة لتلك الدولة الكبرى. وإنما على العكس من ذلك فإن الكثيرين من أبناء هذا الشعب أسهموا في الحضارة والثقافة الأميركية، وهناك مئات الآلاف من الأميركيين من أصل فلسطيني مندمجون في النسيج الديموغرافي للولايات المتحدة.
وليس الشعب الفلسطيني، من الناحية الثانية، كبش فداد يتم التضحية به بهذه السهولة على مذبح السياسات الداخلية الأميركية، أو من أجل انتخابات تشريعية أو رئاسية. هنا شعب له كرامته، وتاريخه العريق، وطموحاته وآماله وتطلعات الوطنية ،التي يأمل، إن لم تساعده الولايات المتحدة على تحقيقها، أن لا تقف في وجهها.
للفلسطينيين الحق في التساؤل : هل جنوب السودان الذي تم قبول دولته في الأمم المتحدة بالإجماع أحق من فلسطين بعضوية الأمم المتحدة؟ وعلى أي أساس تم قبول جنوب السودان وتيمور الشرقية والعشرات من الدويلات التي لم يسمع بها أحد ولا يعرف أحد مكانها على الخريطة، في الوقت الذي تلوح فيه الولايات المتحدة بالفيتو في وجه عضوية فلسطين، التي هي قلب العالم العربي والاسلامي، ومهوى أفئدة مليارين من المسلمين في أرجاء الدنيا؟
لقد حذر كثيرون من المراقبين والسياسيين، ومنهم مسؤولون أميركيون، من تبعات هذا الفيتو المشؤوم على المصالح الأميركية والغربية في المنطقة. وإذا تم بالفعل رفع اليد بهذا الفيتو فمن المؤكد أنه ستكون له تداياته الخطيرة في العالم العربي الذي يعتبر قضية فلسطين من أولويات قضايا الربيع العربي، وفي العالم الإسلامي الذي ينظر للقدس والمسجد الأقصى على أنهما من المقدسات الدينية الأهم بالنسبة للمسلمين أينما كانوا.
فلماذا هذا الفيتو؟ إن هناك حاجة للتعقل، خصوصا لدى أنصار الحزب الجمهوري الذي يؤيد اسرائيل في كل المواقف، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح القومية العليا للولايات المتحدة. وهذا قصر نظر سياسي يتوجب علاجه دونما إبطاء.
الفلسطينيون يريدون سلاما عادلا ودولة تعيش في سلام بجوار اسرائيل. والمفاوضات العقيمة لعشرين عاما أعاقت التقدم نحو هذا الهدف وجعلته من خلال استمرار الاستيطان مستحيلا. وهم يريدون بديلا منطقيا وفعالا وسريعا للوصول إلى الحرية والاستقلال والسيادة.
الفرصة ما تزال أمام الولايات المتحدة ورئيسها للحيلولة دون إشهار الفيتو في وجه المبادرة الفلسطينية، من أجل مصلحة السلام والمفاوضات ومن أجل تعزيز المصالح الأميركية طويلة الأمد في المنطقة والعالم كله.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.