.
Posted on September 30, 2011.
لا أعتقد أن أحداً من الذين حزموا حقائبهم إلى نيويورك، لخوض غمار جولة واحدة من عدة جولات دبلوماسية منسقة على الطريق المفضي، في نهاية مطاف قد يطول، إلى نيل عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، قد خامره الشك للحظة واحدة في صحة استنتاجين مستقرين في صميم الإدراك المسبق لكل مشتغل بالعمل السياسي: أولهما، أنه لا توجد أدنى فرصة للتوصل إلى اتفاق سلام مع حكومة بنيامين نتنياهو؛ وثانيهما، أن الولايات المتحدة لن تتورع عن استخدام حق النقض “الفيتو” لصالح ربيبتها المدللة إسرائيل، خصوصاً في هذه الآونة الانتخابية.
ذلك أن أميركا التي استخدمت هذا الحق المكرس لها في مجلس الأمن الدولي، أربعين مرة سابقة، فيما يخص جوانب مختلفة من نزاعات الشرق الأوسط، لم تتلق مرة واحدة ردود أفعال عربية تعكر صفو علاقاتها بدول هذه المنطقة المستباحة طولاً وعرضاً، بل ظلت رغم ذلك طرفاً مقبولاً للتوسط في حل النزاع التاريخي، أو قل لإدارة هذا النزاع واحتوائه، وليس حله بالطبع، وذلك على نحو يصب في صالح أشد السياسات الإسرائيلية غلواً.
غير أنه في هذه المرة فقط، وكما لم يكن عليه الحال في أي وقت مضى، بدت الولايات المتحدة راغبة في أن تنأى بنفسها عن استخدام “الفيتو”، ومنهمكة في البحث عن مخارج ملائمة لتجنب حرج لم يصبها من قبل، وذلك بفعل متغير بالغ الأهمية، أملاه الربيع العربي الذي تحاول أميركا إدعاء أبوته، والتهافت على مخرجاته التي بدلت الجغرافيا السياسية لهذه المنطقة، الأمر الذي يجعل من استخدام “الفيتو” والحالة هذه بمثابة ورقة نعي رسمية، ليس لكل تلك الإدعاءات الزائفة فقط، وإنما كذلك لأي رهانات أميركية على تداعيات هذا الربيع المتواصل.
وليس أدل على ذلك من قيام الدبلوماسية الأميركية بتوظيف كامل قدراتها لمنع وصول الطلب الفلسطيني إلى مجلس الأمن الدولي، وتلافي التصويت عليه إلى أجل غير مسمى، حتى وإن بات هذا الطلب بين يدي المجلس. الأمر الذي يبرهن على أنه بات “للفيتو”، ولأول مرة، ثمناً مكلفاً قد لا تستطيع واشنطن دفع استحقاقاته، وأن استخدامه بتلك التلقائية التي أعتادت عليها أميركا طوال عقود خلت، لم يعد ممكناً من دون إلحاق ضرر فادح وبعيد المدى بصورة الدولة العظمى وبمكانتها المتراجعة في هذه المنطقة التي كسرت قيودها في الميادين والشوارع العامة.
وهكذا، فإن السؤال، لا يدور حول ملابسات ما حدث في أروقة الأمم المتحدة، ولا عن صوابية المسعى من عدمه، وهو صواب على أي حال، وإنما حول ما قد يحدث في الفترة القصيرة المقبلة من ردود أفعال رسمية وشعبية عربية، إزاء الموقف الأميركي الممعن في انحيازه الأعمى لدولة الاحتلال الوحيدة في العالم. وهو ما سيشكل اختباراً لمدى صحة الهواجس الغربية عموماً، والتحسبات الأوروبية خصوصاً، من اشتعال موجة جديدة من التطرف، على خلفية لا يمكن تأويلها بعد الآن، ألا وهي أن الطريق التفاوضي الثنائي إلى السلام بات مسدوداً بإحكام.
من هنا، فإن الكثير من عناصر الصورة المستقبلية سوف تستكمل جل ملامحها، بناء على الكيفية التي سيدير بها العرب والفلسطينيون أزمة جديدة تتخلق من رحم أزمة قديمة، تتطلب من غير تردد تغيير المقاربة التقليدية، وإجراء تبديل في هيكلية هذه العملية التي استنفدت أغراضها، وحققت أقصى ما يمكن عقده من رهانات أولية عليها، بما في ذلك تبديل الخطاب، وإجراء كثير من الحسابات المؤجلة مع النفس، ودفع ثمن الاستحقاقات الداخلية المعلقة، وفوق ذلك كله رد الأمانة التاريخية إلى الشعب الذي يعرف وحده، وبحسه الفطري، كيف يتدبر أمره عندما تنطبق السماء على الأرض.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.