إنْ صحت الأنباء الأمريكية، عن «مؤامرة» إيرانية لاغتيال عادل الجبير السفير السعودي في واشنطن، فإن المسؤولين الإيرانيين المشتبه بتورطهم في الأمر، يستحقون المحاكمة والقصاص العادل، بتهمتي «الحمق» و»الغباء» أيضاً، وليس فقط بتهمة «الضلوع في تنفيذ مؤامرة إرهابية» تطال سفير دولة أجنبية، على أرض دولة ثالثة، عملية (محاولة) كهذه ستجلب لإيران، المزيد من الكوارث والصعوبات، من دون أن يكون لها، حتى في حال نجاحها، أية نتائج ذات قيمة، فمن يغتال سفيراً، وما الذي يمكن لمقتل سفير، أي سفير، أن يحدثه من أثر في سياسة أي دولة، أو في توجهاتها وتحالفاتها وتوازنات القوى في داخلها.
وإنْ صحت الأنباء الإيرانية، بأن القصة كلها، من ألفها إلى يائها، «فبركة أمريكية»، هدفها ضرب العلاقة السعودية- الإيرانية، واستدارج التصعيد مع إيران، للتغطية على أزمات إدارة أوباما ومتاعبها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عشية الانتخابات ومع اقتراب «اندلاع» حملاتها، فإن المسؤولين الأمريكيين، هم من يستحقون المحاكمة والقصاص العادل، وبالتهم ذاتها، من دون زيادة أو نقصان.
فالتصعيد ضد إيران، سواء أكان محقاً أم مفتعلاً، ستكون له من حيث توقيته وسياقه، تداعياته الضارة والخطيرة، لا على إيران وحدها، بل وعلى الولايات المتحدة نفسها، من حيث التوقيت، تأتي هذه الخطوة عشية الانسحاب الأمريكي من العراق، حيث ستكون القوات الأمريكية المنتشرة هناك، أو ما تبقى منها، في أضعف حالاتها، وقد تتحول إلى هدف سهل للهجمات الإيرانية، المباشرة أو غير المباشرة، وستدفع إيران لتشديد قبضتها على العراق، وتصعيد المواجهة مع واشنطن وحلفائها فيه، وتصفية ذيول حقبة الاحتلال الأمريكي للعراق، وما بعده.
ومن حيث السياق، الإقليمي بخاصة، فإن التصعيد الأمريكي سيدفع إيران دفعا، لاستنفار كل طاقاتها وجهودها، من أجل إنقاذ حليفها السوري، استعداداً لمواجهات أكبر لاحقة، سيكون الإقليم برمته، ساحة لمعاركها السياسية والأمنية، وربما العسكرية، وفي ظني أن أنباء «المؤامرة الإيرانية» قد سقطت برداً وسلاماً على النظام في سوريا، الذي تجهد واشنطن في حشد الدعم والتأييد للإطاحة به.
لكل هذه الأسباب، نجد صعوبة في تصديق الرواية الأمريكية، لا لأن إيران دولة «مترفعة» عن القيام بأعمل من هذه النوع، أو دعم ممارسات على هذه الشاكلة، بل لأن العملية برمتها، صبيانية بامتياز، ويصعب التصديق بأن دولة بحجم إيران، يمكن أن تتورط فيها.
لكن في المقابل، فإن إقدام واشنطن على نشر تفاصيل هذه الرواية رسميا، سيلزمها بالدخول في مواجهة متعددة المسارات والجبهات والساحات، بما في ذلك احتمالات اللجوء إلى «الخيار العسكري» لتأديب هذه الدولة المارقة، فهل يعقل أن يكون الساسة الأمريكيون، بهذه الخفة و»الانتهازية» لتوريط بلادهم في أزمة مفتوحة على هذه الدرجة من الجدية والخطورة، لأسباب انتخابية، أو لدوافع من مثل «التغطية» على خيبات السياسة والاقتصاد الأمريكيين، على حد ما جاء في البيان الرسمي الإيراني؟.
لكل هذه الأسباب، نجد صعوبة في تصديق حكاية «الفبركة» التي قامت عليها الرواية الإيرانية للمسألة، لكن التاريخ الأمريكي، الحديث وليس القديم، يجعلنا لا نستبعد تماماً وقوع مثل هذه الألاعيب الصغيرة، ألم يُقدم كولن باول، وتحت قبة الأمم المتحدة، وتحت أنظار العالم بأسره، على تقديم سلسلة من الأكاذيب و»الفبركات» التي قال أنها أدلة دامغة، لا تقبل الشك والتأويل، على سعي العراق امتلاك أسلحة دمار شامل، واحتفاظه بصلات مع تنظيم القاعدة، والإرهاب العالمي، ما الذي يجعلنا نصدق بأن «أدلة واشنطن وبراهينها» هذه المرة، تختلف عن «أدلة باول وبراهينه»؟.
لا شك أن «وراء الأكمة ما وراءها»، والأرجح أننا لن نعرف قبل وقت طويل، ما الذي جرى وكيف ولماذا ومن المسؤول، ويبدو أن الشكوك في الرواية الأمريكية لا تساورنا وحدنا، فهذه «الإندبندنت» البريطانية، تتحدث عن أصابع للمحافظين الجدد وأنصار إسرائيل في واشنطن وراء الزج باسم إيران، في عمل من تنظيم مافيا مخدرات وعصابات تهريب لاتينية، ضالع فيها مشتبهون من أصول إيرانية، هؤلاء طالما حرضوا الولايات المتحدة على شن حرب على إيران، هؤلاء لهم مصالح عميقة في الزج بواشنطن وطهران في أتون مواجهة شاملة، وفي أضعف الإيمان، إدخال طهران والرياض، في حرب داحس والغبراء، التي بدأت منذ ثلاثين عاماً وقد تستمر لثلاثين عاماً قادمة.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.