How Did the Arab Spring Come to New York?

<--

كيف وصل الربيع العربي إلى نيويورك؟

مع مظاهر الشبه بين حركة الاحتجاج الأميركية وحركات الاحتجاج العربية، إلا أن الأولى لا تطالب بتغيير النظام، بل إن الرئيس الأميركي نفسه قد أعلن تأييده لها

أكتب هذا المقال من نيويورك، حيث أتيحت لي فرصة مشاهدة ما يعتبره الكثيرون امتداداً لـ “الربيع العربي” على شكل احتجاجات بدأت في المركز المالي في نيويورك، قلب المركز المالي في الولايات المتحدة وربما العالم، وامتدت اليوم لتشمل أكثر من (60) مدينة أميركية.

وقد بدأت الحركة، المسماة “احتلوا وول ستريت

Occupy Wall Street” في 17 سبتمبر، حين تجمع نحو (500) من الشباب في حديقة صغيرة اسمها Zuccuotti Park، وتقع نحو 100 متر شمال وول ستريت، في جنوبي جزيرة منهاتن، للاحتجاج على أوضاعهم المعيشية ودور المؤسسات المالية فيها، وامتد الاحتجاج ذلك اليوم خارج الحديقة شيئاً يسيراً. وفي الأيام التالية، مع مرور عاصفة أمطار شديدة بنيويورك، انخفضت أعداد المحتجين إلى نحو المئة، ولكنها بدأت في الارتفاع بشكل كبير لاحقاً بعد تحسّن الجو وانتشار التغطية الإعلامية، حيث يبلغ أنصارها عشرات الآلاف في إجازة عطلة نهاية الأسبوع عادة.

والحركة التي بدأت بين الشباب والطلبة والعاطلين عن العمل حظيت منذ ذلك الحين بدعم أكبر اتحاد للعمال AFL-CIO وغيره من المجموعات العمالية العريقة في تاريخ الاحتجاجات الاجتماعية، وانتشرت الاحتجاجات إلى أكثر من 60 مدينة أميركية.

وقد لفت النظر منذ البداية التشابه بين هذه الحركة والحركات العربية، من حيث مكوناتها وأساليبها ودوافعها. وربما كان اختيار الحديقة نفسها مستوحى من حركات الاحتجاج العربية، فهذه الحديقة كانت تعرف بحديقة الحرية Liberty Park إلى عهد قريب (2006)، وهو ما يشبه ميدان التحرير في القاهرة و”ساحة التحرير” في صنعاء.

ومثل ما حدث في الحركات العربية، خلال أيام معدودة، أصبحت حديقة الاحتجاج، التي تبلغ مساحتها نحو ألفي متر مربع فقط، مكان تجمع للشباب المحتجين، فيها الأفران المتنقلة، وفرش النوم، والتسهيلات الأخرى، بما في ذلك عيادة طبية، ووحدة مسؤولة عن الأمن، ومستشارون قانونيون وإعلاميون يتولون العلاقة مع الشرطة والإعلام.

ويتحرك المتظاهرون في المنطقة المحيطة بوول ستريت وفقاً للقانون، وتحت رقابة شرطة نيويورك المتمرسة في التعامل مع حركات الاحتجاج، وتعرف إلى حد كبير الحدود القانونية للاحتجاج، ولديها تواصل مستمر مع “محامي” حركة الاحتجاج الذين أشرتُ إليهم.

ولكن حينما يتجاوز المحتجون الحدود القانونية تقوم الشرطة بإيقافهم أو اعتقالهم لدقائق، أو أكثر، ثم يعودون للاحتجاج مرة أخرى. وكانت أكبر حادثة تدخلت فيها الشرطة هي حادثة إغلاق “جسر بروكلين” في يوم السبت الأول من أكتوبر، وهذا الجسر المشهور شريان حيوي يربط جزيرة منهاتهن بحي “بروكلين”، وهو يعج بالحركة المرورية طوال ساعات الليل والنهار، ولهذا فإن إغلاقه دون إذن رسمي، فضلاً عن مخالفته للقانون، يعني التسبب في أزمة مرورية حقيقية. ولذلك فعندما شل المحتجون الحركة في ذلك اليوم (في اتجاه منهاتن – بروكلين)، قامت الشرطة أولاً بحث المتظاهرين على الخروج من مسار السيارات إلى مسار المشاة العلوي. وبعد أن رفض بعضهم الانصياع، وبعد مرور بضع ساعات من إغلاق الطريق، قامت الشرطة بإخلاء مسار السيارات من المتظاهرين بالقوة، واعتقلت عدة مئات منهم، وبلغ عدد المخالفات القانونية بحق المتظاهرين ذلك اليوم نحو (700) حسب بيانات الشرطة، ولكن معظمهم أفرج عنه بعد قليل.

ومع ازدياد التغطية الإعلامية للحركة، بدأت حركات مماثلة في مدن كبرى أخرى، مثل بوسطن، لوس أنجلس، ساون فرانسيسكو، دنفر، شيكاغو، فيلادلفيا. ووصلت الاحتجاجات هذا الأسبوع إلى واشنطن العاصمة.

وقد نجحت الحركة في تركيز اهتمام وسائل الإعلام على اهتمامات المواطن العادي، وغضبه على استمرار الكساد الاقتصادي، الذي تجاوز ثلاث سنوات، والفجوة الاقتصادية التي تزداد بين الفقراء والأغنياء.

وتركيز المحتجين على وول ستريت في اسم حركتهم يُقصد به لفت النظر إلى الدور السلبي، في رأيهم، للمؤسسات المالية في معالجة الأزمة الاقتصادية، إذ يشيرون إلى أن الحكومة الأميركية قدمت للقطاع المالي خلال الأزمة مئات المليارات من الدولارات، أنقذته من الإفلاس، ولكن مردود ذلك على المواطنين محدود، وبدلاً من توفير وظائف جديدة، قامت مؤسسات هذا القطاع بفصل آلاف الموظفين. ويشيرون كذلك إلى دور البنوك في إفلاس الكثير من الأفراد وإخراجهم من منازلهم المرهونة للبنوك، وهي أزمة ما زالت مستمرة إلى اليوم.

ومع أوجه الشبه التي أشرتُ إليها بين حركة الاحتجاج الأميركية وحركات الاحتجاج العربية، إلا أن هناك فوارق كبيرة بينها. فحركات الاحتجاج العربية تبدأ بمطالب الإصلاح، ولكنها سرعان ما تتحول إلى مطالبات برحيل النظام، أو على الأقل رئيس النظام. أما حركة الاحتجاج الأميركية، فإنها ضد سياسات محددة، ومؤسسات معينة من مؤسسات النظام، ولم تطالب بتغيير النظام. ومن المؤكد أن بين المحتجين من يدعو إلى تغيير النظام، مثل المجموعة المسماة Anarchists أو الفوضويين، ولكنهم قلة لا تكاد تُذكر.

وإذا كانت هناك رغبة في تغيير القيادة فهي من خلال الانتخابات القادمة، في عام 2012، ولهذا فإن توقيت الحركة مقصود في الغالب لهذا الغرض. صحيح أن الاحتجاج رد فعل على استمرار الأزمة الاقتصادية، وصدى، كما يقول الكثير، لحركة الاحتجاجات العالمية التي بدأت في العالم العربي، ولكن التوقيت كذلك يتزامن مع بداية الحملة الانتخابية الأميركية.

ففي عام 2012، ستشهد الولايات المتحدة انتخابات رئيس الجمهورية، ومجلس النواب، وثلث مجلس الشيوخ، وبعض حكام الولايات، فضلاً عن الانتخابات المحلية. ولهذا فإن من مصلحة كل مجموعة أن تسعى للتأثير على نتائج تلك الانتخابات. وربما يتضح الفرق أكثر حين نعلم أن الرئيس باراك أوباما قد خرج بتصريحات تؤيد حركة “احتلوا وول ستريت”، إذ يراها مسانداً له في توجيه اللوم لقطاع المال والأعمال، بدلاً من حكومته، في تردي الأوضاع الاقتصادية. حين أن حزب المعارضة الرئيسي (حزب الجمهوريين) قد وقف ضد الحركة حتى الآن، لأنه يريد أن يظل النقد موجهاً للحكومة، لا للقطاع المالي الذي يُعتبر أحد أهم داعمي الحزب.

وهنا يتضح الفرق الشاسع بين حركات الاحتجاج العربية التي تطالب برحيل النظام ورئيسه، وحركة الاحتجاج الأميركية التي تحظى بتأييد رئيس الولايات المتحدة نفسه.

About this publication