How Much Will Obama's Second Term Cost Us?

<--

كم ستكلّفنا ولاية ثانية لأوباما؟

د.عصام نعمان

تعهد باراك اوباما بإنزال أشد العقوبات بإيران بعد كشف خطة قال انها أعدتها لاغتيال سفير السعودية في واشنطن عادل الجبير. أكد ان بلاده «تضع جميع الخيارات على الطاولة في تعاملها مع طهران لتتأكد من انها ستدفع الثمن».

حجم الثمن يتوقف على حجم الخيار الذي ستختاره الولايات المتحدة (وإسرائيل) من بين الخيارات الموضوعة على الطاولة. فهل يكون الحرب؟ وهل تقتصر الحرب على ايران ام تفيض عنها الى حلفائها العرب ؟

قبل أشهر بدت واشنطن وحلفاؤها مقتنعين بأن العقوبات الاقتصادية، بمختلف انواعها وأبعادها، كفيلة بحمل الجمهورية الاسلامية على الالتزام بتسوية مقبولة لبرنامجها النووي، وان التسوية المرتجاة يمكن توسيعها لتتناول قضايا خلافية اخرى في المنطقة كالعراق وافغانستان وسوريا وفلسطين وإسرائيل، فضلاً عن النفط والغاز وحماية الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة.

بعد اندلاع الانتفاضات الشعبية العربية وخسارة الولايات المتحدة الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك، والاتجاه الى خسارة الرئيس علي عبد الله صالح، وعجزها خلال اشهر سبعة عن ازاحة بشار الاسد كتعويض عن خسارتها الرؤساء الثلاثة، توصلت ادارة اوباما (ومن ورائها إسرائيل) الى أن نهج العقوبات المعتَمَد ضد الدول التي تعتبرها «مارقة» لم يؤتِ ثماره، وان ثمة حاجة الى نهج اقسى وأفعل.

إسرائيل لم تقتنع اصلاً بجدوى العقوبات في مواجهة ايران. سعت دائماً الى اقناع ادارة اوباما بوجوب عدم اسقاط خيار القوة املاً في استخدامه اذا لم تستجب طهران طلبات الغرب الاطلسي. لكن اوباما آثر التمسك بالدعوة التي اطلقها خلال حملته الانتخابية العام 2008 لاعتماد الدبلوماسية مع ايران.

من جهتها، سعت طهران الى طمأنة واشنطن بأنها ليست بصدد صنع اسلحة نووية. محمود احمدي نجاد قدم لها خلال الشهر الماضي اثناء مشاركته في اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك عرضاً مغرياً : تتوقف ايران عن انتاج اليورانيوم المخصّب بنسبة 20 في المائة في حال زودتها الدول الاجنبية بالوقود الذي يحتاج اليه مفاعل الابحاث في طهران الذي ينتج نظائر طبية تتوقف عليها حياة نحو 850 الف ايراني مصابين بداء السرطان.

عرْض احمدي نجاد المغري واجهته صعوبات جمّة. فقد تمسك نتانياهو بخيار استخدام القوة ضد ايران والتف على سياسة اوباما الداعية الى الدبلوماسية والعقوبات معها بابتزازه سياسياً، في الكونغرس ولدى اللجنة الرباعية الدولية، وذلك برفضه وقف الاستيطان، وتعطيل مبادرته لمعاودة المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل على اساس «حدود» العام 1967 .

غير ان اقسى التحديات جاء من الكونغرس الاميركي الذي لم يكتفِ بتأييد مواقف إسرائيل حيال الفلسطينيين وسوريا وايران فحسب بل شفع ذلك ايضاً باحباط مشروعه لتحفيز الاقتصاد. واللافت ان ذلك جاء متزامناً مع توسّع حركة «احتلّوا وول ستريت» الاحتجاجية وانضمام جهات طلابية ونقابية واسعة الانتشار اليها.

بالتزامن مع هذه التطورات تصاعدت الحركة الاجتماعية الاحتجاجية في إسرائيل المطالبة بحل أزمة السكن وبالعدالة الاجتماعية، وصدر تقرير عن «لجنة تراختنبرغ» (التي ألفها نتانياهو من كبار الخبراء) مؤيداً مطالب الحركة الاحتجاجية وداعياً الى خفض النفقات الامنية بمليارات الشيكلات لتمويل التقديمات الاجتماعية ما اثار سخط اركان المؤسسة العسكرية وغالبية الوزراء.

فوق ذلك، تناهى الى اوباما ان نتانياهو وقادة جيشه يعتزمون الالتفاف على تقرير «لجنة تراختنبرغ» والحركة الاجتماعية بتضخيم الاخطار الناجمة عن الانتفاضات العربية، ولاسيما انتفاضة مصر، وانعكاساتها المقبلة على إسرائيل من جهة، ومن جهة اخرى الترويج لاحتمال لجوء ايران الى تسريب اسلحة نووية تكتيكية الى تنظيمات المقاومة المتحالفة معها لتبرير توجيه ضربة عسكرية شديدة لها.

ازاء هذا التطور الخطير، سارع اوباما الى ايفاد وزير دفاعه ليون بانيتا الى تل ابيب لكبح جماح صقورها. لكن بانيتا لم يوحِ في مؤتمره الصحفي المشترك مع وزير الحرب الإسرائيلي ايهود باراك بأنه سعى الى كبح جماح أحد. فقد اعلن ان واشنطن «قلقة جداً، ونحن سنعمل معاً من اجل اتخاذ جميع الخطوات الضرورية لمنع ايران من تشكيل خطر على المنطقة».

صحيح ان وسائل الاعلام الاميركي فسّرت زيارة بانيتا بأنها لابلاغ إسرائيل بضرورة ألاّ تتصرف دون الحصول على ضوء اخضر اميركي، غير ان ادارة اوباما كما أعضاء الكونغرس يعرفون ان إسرائيل قادرة، اذا ما قررت منفردةً اتخاذ اجراء استراتيجي يتصل بأمنها القومي، على تجاهل الولايات المتحدة والعمل دونما ضوء اخضر مسبق منها. فمن دراسة لكيرتزر، سفير واشنطن السابق في تل ابيب والقاهرة على التوالي، يتضح ان ما من مرة اتخذت فيها إسرائيل مبادرة سياسية او عسكرية خطيرة الاّ وقام الكونغرس الاميركي لاحقاً، ومن ثم الادارة، بالموافقة عليها وتغطية القائمين بها الاّ في مرة واحدة خلال ادارة الرئيس دوايت ايزنهاور عندما قامت إسرائيل، دون استشارة واشنطن، بمهاجمة مصر في سياق حرب السويس العام 1956.

ايزنهاور رفض تغطية إسرائيل آنذاك وواجه تواطؤها مع بريطانيا وفرنسا لأنه كان قوياً على الصعيدين الشخصي والشعبي. اوباما يفتقر الى قوة ايزنهاور وحزمه، كما يفتقر الى الشعبية والنفوذ السياسي اللازمين لمواجهة النفوذ الصهيوني المتجذر في الكونغرس. الى ذلك، فهو يعتزم خوض الانتخابات للفوز بولاية رئاسية ثانية في العام القادم، ويعلم انه لن يتمكن من الفوز ما لم يؤيده اليهود الاميركيون والسياسيون الموالون لهم. وليس ادل على ذلك من التنازلات التي ما فتئ يقدمها لإسرائيل، اقليمياً ودولياً، منذ السنة الاولى لانتخابه. ذلك كله يحمل المراقب على التساؤل : كم سيكون الثمن الذي سيدفعه العرب نتيجةَ الهجوم المضاد الذي باشرته واشنطن في المنطقة اخيراً، وكانت ابرز مظاهره ردة فعل اوباما العنيفة على ما وصفه بخطة اغتيال السفير السعودي التي «وُضعت بتوجيهات اشخاص في حكومة طهران؟».

قد يكتفي اوباما بتشديد العقوبات على ايران، او بتصعيد حربه الناعمة عليها لتعميق تناقضاتها الداخلية في موسم الانتخابات الرئاسية في الربيع المقبل، او بتشديد الحصار السياسي والاقتصادي على سوريا لاضعاف نظامها أملاً بحمله على فك تحالفه مع ايران او تحييد نفسه في حال وجّهت إسرائيل ضربة عسكرية لمنشآتها النووية وقاعدتها الصناعية. غير ان ثمة ثلاثة امور شبه اكيدة ستحدث اذا ما ركبت إسرائيل رأسها وشنّت حرباً على ايران :

الاول، ان الكونغرس الاميركي واوباما سيغطيان عدوانها ويدعمانها بقوة وبلا حدود.

الثاني، ان سوريا وقوى المقاومة العربية في لبنان وفلسطين والعراق، ستخوض على مستوى المنطقة، حرباً لصدِّ العدوان الى جانب ايران بموجب الحلف القائم بينها.

الثالث، ان الحرب ستشمل إسرائيل وقطاع غزة ولبنان وسوريا وايران والقواعد الاميركية في بلدان الخليج، وربما تركيا ايضاً.

بذلك يتفادى كلٌ من الحلفاء، في حال بقي محايداً، ان يلوم نفسه قائلاً : أُكلتُ يوم أُكل الثور الابيض!

About this publication