The Pulse of Life: The Arab League and Double Standards

<--

المراقب لآليات عمل جامعة الدول العربية، وعلاقتها وقراراتها مع الثورات العربية، ومن زاوية أخرى الانظمة السياسية القائمة او التي زالت، يلحظ ان الجامعة تكيل بأكثر من مكيال. لا معايير تحكمها، ولا ضوابط تنظم مواقفها. وقراراتها تعتمد على إملاءات بعض الدول، التي تنفذ سياسات الولايات المتحدة.

بالعودة الى الوراء قليلا، وكيفية تعاطي قيادة جامعة الدول العربية مع النظام الليبي السابق، لاحظ المرء، ان الدول العربية، التي باتت دولة قطر تلعب دورا “محوريا”، اتخذت قرارا بمقاطعة النظام، ورفع الغطاء عنه مباشرة، والمشاركة في سلسلة لقاءات دولية لحصار نظام القذافي. المشكلة ليست هنا، بالعكس، كان الجميع يبارك اية خطوات تتخذ ضد النظام الاستبدادي الليبي، رغم المعرفة الجلية بمن يقف وراء السياسة القطرية.

المشكلة ان الجامعة العربية لم تتخذ اية مواقف جدية تجاه ما يجري في اليمن. مع ان ما قام به نظام علي عبد الله صالح من مذابح بحق المواطنين العزل تجاوز كل منطق. ومع ذلك لم تقم الجامعة العربية بتبني المبادرة الخليجية، بحيث تصبح مبادرة عربية، ولم تتخذ اي إجراء، كما ان الولايات المتحدة، المنغمسة حتى اذنيها في الأزمة اليمنية بأدق تفاصيلها، لم تبادر لعقد اي لقاء دولي لحجب الثقة عن نظام صالح، كما ان الامم المتحدة ايضا بقيت مواقفها في حدود التنديد والمراوحة بانتظار ما تقرره الولايات المتحدة. ومازال نظام العائلة يبطش بالشعب ليل نهار، مع ان ابناء الثورة اليمنية، اعلنوا مرارا وتكرارا، ان ثورتهم سلمية، وانهم لن ينجروا لمتاهة الرئيس السفاح علي عبدالله صالح. ورغم ذلك تركت الجامعة العربية الامر لمجلس التعاون الخليجي، الذي بات يملك زمام الامور في الجامعة، وباتت “الامبراطورية” القطرية تتحكم في القرار السياسي العربي.

من حق دول مجلس التعاون العربي الست، ان تأخذ مصالحها بعين الاعتبار، لا سيما وان اليمن جزء لا يتجزأ من المنطقة. وما يحدث به، يترك آثارا على مجمل الخارطة الجيوبوليتيكية في المنطقة. ولكن على دول المجلس ان تعَرب المبادرة، وان تتخذ اجراءات جدية ضد علي عبدالله صالح لعزله، ونقل الصلاحيات لشخصية وطنية غير نائب الرئيس، الذي اثبت انه مجرد دمية في يد رئيس اليمن الحالي. وعلى دول مجلس التعاون، ان تخفف قبضتها عن الثوار اليمنيين، لتترك لهم حرية الخيار، الذي يريدون.

والشيء ذاته يحصل مع سوريا، الكيل بمعايير أيضاً مغايرة، الجامعة تتدخل بحذر شديد، وكأنها تسير على “بيض” وفق الأجندة القطرية – الاميركية. لا أحد من الوطنيين والقوميين والديمقراطيين العرب يقف مع النظام السوري، الذي استباح ابناء الشعب العربي السوري، وقتل من قتل وجرح من جرح، وهتك الاعراض، ودمر المساجد وارتكب الموبقات. ولكن آليات التعامل مع النظام السوري، مازالت دون المستوى، ولم ترق الى مستوى ما تطمح به الجماهير العربية السورية. وتنتظر (الجامعة) ما ستقرره الولايات المتحدة الاميركية والغرب الاوروبي، وضمنا إسرائيل.

مؤسف جدا، ان يكون حال الثورات العربية كما هو عليه الحال راهنا. الثورات العربية وقياداتها الانتقالية في اليمن وسوريا وغيرها، ان شاءت بلوغ اهدافها في التحرر والانعتاق من النظام الحاكم هنا او هناك، ان تتحرك وفق الاجندة الوطنية والقومية الديمقراطية لبناء الدولة المدنية، دولة كل مواطنيها. نعم كل الثورات بحاجة ماسة للدعم والتأييد والاسناد العربي والدولي، ولكن عليها ألا ترهن قرارها لمشيئة الانظمة العربية الحاكمة او للغرب. وهذا لا يمنعها من اقامة تعاون مع كل دول العالم العربية والاجنبية، من كبيرها الى صغيرها، ولكن بضوابط ومحاذير لحماية مكتسبات الثورة هنا او هناك.

وعلى جامعة الدول العربية وفي السياق، دول مجلس التعاون الخليجي، ان ترتقي جميعا الى مستوى المسؤولية تجاه الشعوب العربية وثوراتها في اليمن وسوريا، والكف عن الحسابات الصغيرة والاجندات الخاصة والمرتبطة بالولايات المتحدة الاميركية. وآن الاوان لتعريب المبادرة الخليجية، والزام علي عبد الله صالح بالخروج من الحكم، وتسليم مقاليد الامور لمجلس انتقالي، لا علاقة له بمؤسسة النظام الحالية، لوقف نزيف الدم اليمني. وفي سوريا على جامعة الدول العربية، عدم انتظار الرد على المبادرة العربية، التي يعرف النظام، انها ذات طبيعة تكتيكية، كما ان النظام لم يعد مستعدا للتراجع عن خيار تصفية الثورة بالحديد والنار وسفك الدماء، وبالتالي سحب الغطاء عنه، وطرد ممثله من جامعة الدول العربية، والعمل على تأمين منطقة حظر جوي على الاراضي السورية لحماية المدنيين. وهذا لا يعني التدخل في مسار الثورة مباشرة، بل مساندتها ودعمها.

مما لا شك فيه، ان لكل بلد خصوصيته، ولكن هذا لا يمنع من وضع معايير واحدة لجامعة الدول العربية في دعم الثورات العربية، وعدم رهن القرار العربي للموقف الاميركي، لان الادارة الاميركية ليست مع الثورات العربية، بل هي مع مصالحها ومع مصالح اسرائيل.

About this publication