In New York, the Israeli Flag Is Burning

<--

لم يخرج دخان حرقِ علم العدو الإسرائيلي هذه المرة من عمان أو القاهرة، بل حلّق في سماء نيويورك، التي ما تزال تحتفظ في جانب من كوزموبولتينيتها بملمح يهودي قوي، وتحتفظ بمناصرين أقوياء للصهيونية.

الحركة التي تقف على مرتكز أساس في النضال ضد تغول الرأسمالية العالمية، لا تبتعد كثيرا في رؤيتها لمناهضة هذا الوجه البشع للعالم عما يلوح في الأفق العربي من تحركات حيوية جامحة، تضرب رؤوس الاستبداد وصانعي التبهيم البشري الذي تستخدمه سلطات عربية منذ عقود لمواجهة أي خروج على نصها المظلم.

وهي بذلك، أي “الحركة الوولستريتية”، اتصال طبيعي لما تنتجه ثورات الربيع العربي من نفض لمفاهيم الوعي البشري لقيم الحرية والعدالة مرة أخرى، رغم ما يحيط هذا المنتج من تلويحات بسرقته، وتحويل مساره إلى مناطق تستعيد الدور الاستبدادي لأنظمة الظلام والتخلف، في قالب ديمقراطي إمبريالي.

حرق علم العدو الإسرائيلي في نيويورك ليس فعلا احتجاجيا نادرا في نقطة إمبريالية حادة، بل سبق أن اجتاحت الحمى التضامنية مع الفلسطينيين نقاطا حادة أخرى في أوروبا وآسيا وأفريقيا، كقيام الأكاديميين البريطانيين بمقاطعة الأكاديميا الإسرائيلية، وكذلك رفض مجموعات من طلبة جامعة هارفارد لأي اعتداء على الفلسطينيين.. وغيرها.

“الوولستريتيون” لم يكتشفوا إسرائيل ووحشيتها بغتة، ليحرقوا علمها. منهم، وهم قلة، مجموعات تنظر إلى احتلال اليهود لاقتصاد العالم، والاحتجاج عليهم يتمثل في حرق علم اسرائيل ومناهضتها، بيد أن غالبيتهم ممن هتفوا “الشعب يريد إسقاط وول ستريت” بالعربية الفصحى، يدركون تماما أن إسرائيل كانتون تافه من كانتونات الإمبريالية العالمية، تسبب في كثير من الآلام لشعب فلسطين وللأميركيين دافعي الضرائب أنفسهم، بما تستنزفه من أموالهم التي تذهب إلى جيوب جنرالاتها المجرمين.

ليست صحوة ضمير على المستوى الشعبي هذا الاحتجاج الشعبي الأميركي فقط. إنها صحوة وإدراك لما يستنزف المواطن الأميركي من أموال يدفعها هو لدولته، تنفقها حكوماته على غيره، وفي مسارب تتنافى مع القيم الإنسانية التي يؤمن بها من خرجوا يطالبون بسقوط النظام الأميركي.

هل نحتفي بحرق العلم الإسرائيلي في قلب نيويورك إذن؟

إذا كانت هذه اليقظة التي حكّتها ثورات الربيع العربي، أنتجت مثل هذه اللحظة، فإن التفاؤل بأن فلسطين بدأت تحتل مكانة مميزة في وعي مجموعات شعبية غربية، ستتمكن من التأثير لاحقا على دولها، لتصوغ علاقة جديدة مع الإسرائيليين؛ علاقة.. لن تمنح هذا الكيان اللقيط الكثير مما “يبرطع” فيه اليوم من دعم وامتيازات، وهذه اليقظة تمكنت من إضاءة شمعة على الأرجح، صارت تضيء جزءا مهما من النفق.

About this publication