What Entered Israel and the US into Sinai?

<--

طباعة

Share13

الدولة كدين والدين كدولة

سمير كرم

أضف تعليقك تعليقات : 1

آخر تحديث: الأربعاء 14 ديسمبر 2011 – 1:30 م بتوقيت القاهرة

فى عام 1928 حصل الحزب النازى الألمانى فى الانتخابات على نسبة لم تتجاوز 2.6 بالمائة. ولم تكن هذه النتيجة للانتخابات الألمانية تنطوى على أى مفاجأة لا للحزب ولا للشعب الألمانى.

ولكن فى انتخابات لاحقة جرت فى عام 1932 فجر الحزب النازى مفاجأة انتخابية غير مسبوقة إذ حصل على نسبة 35 بالمائة. ويذهب المؤرخون إلى أن الفضل فى هذه الزيادة يرجع إلى شخصية ادولف هتلر من ناحية وإلى التأييد الذى حصل عليه الحزب من الطبقة المتوسطة الذين كانوا يريدون حزبا فى البرلمان يدافع عن الملكية (بكسر الميم) ومن النسبة العالية من العاطلين فى ذلك الوقت. لكن المؤرخين يذهبون ايضا إلى ان نسبة عالية من الناخبين الألمان كانت قد تحولت من محافظين إلى «محافظين إلى حد التطرف». وكان ذلك بمثابة رد على تراجع شعبية الشيوعيين فى المانيا فى تلك الفترة ومنذ ثورة اكتوبر 1917 البلشفية، لأنهم لم يولوا اهتماما كافيا لمعاناة الطبقة المتوسطة من التضخم الاقتصادى ثم من الكساد على التوالى.. حيث كان صغار رجال الأعمال يشكون من تجاهل اليسار الألمانى لمعاناتهم، خاصة أن العمال كانوا يطالبون بأجور اعلى كثيرا من قدرات رجال الأعمال الصغار.

مع ذلك لابد من الانتباه إلى ان هذه المفاجأة الانتخابية وقعت فى ألمانيا فى فترة ما بين الحربين العالميتين الاولى والثانية وبعد الهزيمة الألمانية فى الحرب الأولى التى ادت إلى صعود صوت القومية الألمانية فى مواجهة أوروبا وأمريكا. وكانت شعارات الحزب النازى ذات الرنين القومى فى اكثر توجهاته يمينية فى ذلك الوقت تجذب الكثيرين من الألمان من جميع الطبقات الاجتماعية.

كانت النسبة التى حصل عليها الحزب النازى هى أعلى نسبة حصل عليها اى من الأحزاب الألمانية وأدى هذا إلى اختيار هتلر ليعين مستشارا لألمانيا اى رئيسا للوزراء. واستطاع هتلر بفضل قدراته الخطابية ان يحكم سيطرته على الشارع الألمانى فضلا عن ترؤسه للحكومة. وفى تلك الظروف صعد الحزب النازى إلى مرتبة السيطرة الكاملة على ألمانيا مستخدما برنامجه اليمينى المتطرف باعتبار هذا البرنامج التعبير الأوضح والأكثر جاذبية عن طموحات الشعب الالمانى الذى يريد الخروج من كآبة الهزيمة.

●●●

تبدو فى هذه الملامح الألمانية فى تلك الفترة أوجه شبه تحتاج إلى انتباه قوى مع ظروف صعود جماعة الإخوان المسلمين ــ من خلال حزبها السياسى الحرية والعدالة ــ فى ظروف مصر فى اعقاب ثورة 25 يناير.

ذلك انه بغض النظر عن اختلاف الظروف الألمانية والمصرية فى هاتين الحقبتين المتباعدتين، إلا أن نسبة الأصوات التى حصل عليها الحزبان فى البلدين شديدة التقارب. إنما الأهم ان الجانب العقائدى بينهما يسجل نقاط تشابه عديدة، والأحرى ان نسميها نقاط تماثل.

يمكننا أولا اختصار الجانب العقائدى بين الحزبين الألمانى والمصرى فى حقيقة ان الأول ــ الحزب النازى ــ كان يتخذ من الدولة مبدأ مطلقا، والثانى ــ حزب الحرية والعدالة ــــ يتخذ من الدين مبدأ مطلقا بالقدر نفسه. كانت الدولة هى دين الحزب الألمانى، بينما الدين هو دولة الحزب المصرى. فكانت حالة الحرية الاجتماعية والدينية فى ألمانيا النازية يحددها مطلب النازيين للسيطرة المطلقة على مراحل الحياة الإنسانية للمواطن الألمانى، بما فى ذلك حياته الفكرية والروحية. ولا يختلف توجه حزب الحرية والعدالة فى مصر عن هذا التوجه. بل انه يتماثل مع توجه الحزب الألمانى فى طلبه الهيمنة المطلقة على أخلاقيات المواطن وثقافته.

لقد كان الحزب النازى حريصا كل الحرص على ان يعتبر ان من الضرورى توجيه المواطنين الألمان إلى استغلال وقتهم فى طرق ولأغراض تخدم الدولة. وبالمثل فإن حزب الحرية والعدالة يبدى حرصا مماثلا على توجيه المواطنين المصريين إلى استغلال وقتهم فى طرق وأغراض تخدم الدين. ولقد كان هذا الحرص من جانب النازية الألمانية مفهوما فى ضوء ارتفاع منسوب النزعة العلمانية فى ألمانيا فى ذلك الوقت، وهو ما لم يكن يتلاءم مع رغبة الحزب النازى فى فرض قدسية الدولة وإعلاء دور الكنيسة كوسيلة ــ لا غاية ــ من أجل دعم دور الكنيسة فى تقوية سلطة الدولة على المواطنين. ولم يكن الحزب النازى ليوافق بأى حال على اتخاذ موقف ليبرالى غير متحيز تجاه الحرية الدينية، أى حرية المواطن فى تحديد مدى التزامه بالتعاليم الدينية للديانات المختلفة التى تمثل الأغلبية والأقليات التى تعيش معها فى المجتمع الألمانى الواحد.

كانت تلك وسيلة الحزب النازى لتأكيد دور الدين فى تقوية دور الدولة وقدسيتها فى المجتمع الألمانى. فكان لابد لمن ينشق على هذه التوجهات ــ بمعناها الدينى أو السياسى ــ ان يعرف انه يخاطر بحريته بل بمستقبله إذا اتخذ موقفا معارضا للدولة. لقد انتهكت النازية التقليد الليبرالى الذى يؤكد على حيادية الدولة تجاه الكنيسة وتجاه الديانات الأخرى القائمة فى المجتمع. كانت الأولوية الروحية للدولة فى المقدمة دائما فى ظل هذه السلطة.

كانت النازية ــ والفاشية بالمثل كسياسة موازية فى إيطاليا ــ تعارض الديمقراطية فى مساواتها بين الأمة كما تتمثل فى أغلبيتها العددية والأقليات الدينية كما تعيش فى المجتمع نفسه. كانت النازية تطرح تصورا لشكل من «ديمقراطية تتسم بالصفاء» هو الشكل الذى يسمح بالتمييز بين ديانة الأغلبية من الألمان وديانات الألمان الأخرى. وكان المقصود بالديانات هنا الديانات مثل اليهودية والطوائف مثل الكاثوليكية والبروتستانتية…إلخ. ولم يكن هذا الا ابتعادا مقصودا عن المفهوم الليبرالى للديمقراطية الذى يحترم الديانات والطوائف الدينية المختلفة بصرف النظر عن «حجمها العددى».

كان القصد فى سياسة النازية هو استبعاد كل الجماعات داخل الدولة الا تلك التى تخضع للحزب باعتباره يمثل نقطة الذروة فى الإيمان بالدولة باعتبارها «المطلق الأوحد»

●●●

لقد مارست النازية السلطة لمدة لم تزد على 23 عاما. وتبقى المقارنة بينها وبين حزب الحرية والعدالة، الذى لم يبدأ حتى الآن ممارسة السلطة فى مصر وان كان يتهيأ لها، ناقصة بقدر غياب الممارسة العملية من جانب الحزب المصرى. ولكن كثيرا من الأسس النظرية لجماعة الإخوان المسلمين تعطى مؤشرات مثيرة للقلق إلى التماثل بينهما على الأقل فى الأساس النظرى. على الأقل هناك الخشية من تبنى الحزب المعبر عن نظريات الإخوان فكرة الدين كما يفسره الحزب او كما تفسره الجماعة الاخوانية. فإن هذا التبنى يقود إلى تحويل الدين إلى وجهة نظر تتبناها الدولة وتفرضها قسرا على المجتمع. ففى هذه الحالة تصبح الأخلاقيات والسلوكيات الفردية والجماعية خاضعة لمراقبة ــ أو رقابة ــ مستمرة من جانب الدولة. ويظهر الخطر هنا من اعتبار ان ما تراه سلطة الدولة تفسيرا للدين فى معانيه الكلية والجزئية هو التفسير الصحيح الأوحد الذى لا يمكن قبول غيره. فإذا ظهر تفسير آخر يصبح من واجب سلطة الدولة الدينية ان تقمعه أى أن تخضعه لها. او التعرض للقمع بدرجة او أخرى من العنف والقسر. لأن العنف والقسر يصبح ضرورة بل سلطة قانونية لإخضاع الآخر للدولة وتفسيرها للنص الدينى.

مرة أخرى ــ وكضرورة تسبق الختام ــ لابد من التأكيد على حقيقة ان المقارنة تفقد بعض مبرراتها بسبب ان الحزب النازى مارس السلطة الفعلية للدولة الالمانية كما تصورها فى حين ان الإخوان المسلمين لم يمارسوا السلطة بعد. مع ذلك فإن الأساس النظرى الأكثر إلزاما وهو رغبة الإخوان فى فرض الدولة الدينية ــ على الرغم من كل المناقشات التى دارت حول هذه النقطة ــ يجبر كل صاحب فكر ليبرالى على الخشية من التماثل بين دولة الدين ودين الدولة.

فالخطر يكمن فى ان تكون الدولة كدين والدين كدولة وجهين لعملة واحدة.

About this publication