Why Do Arabs Want American Forces to Withdraw from Iraq?

<--

بقلم: د. رضا العطار – 29-11-2011 | (صوت العراق) | نسخة سهلة الطبع

هذا الموضوع يكاد يكون الشغل الشاغل للعرب والغرب على وجه العموم. ولو نظرنا الى الدوافع التي تدفع الغرب الى المطالبة بالانسحاب السريع للقوات الامريكية بالذات من العراق، لرئينا ان للغرب اسبابه المفهومة، في حين ان مطالبة العرب بهذا الانسحاب ليس لها ما يبررها غير المخاوف. وحديثي هذا ينبغي ان لا ينطوي اني ادافع عن الاحتلال، فالاحتلال عموما مكروه ومرفوض بكل صوره واشكاله، ويجب مقاومته. لكن علينا ان ندرك لماذا جاء، وما هي اهدافه، وهل اننا نتعامل معه بالعقل او بالعاطفة، بالوقائع او بالشعارات ؟ .

عندما تطلب بعض دول الغرب مثل المانيا وفرنسا وروسيا والحزب الديمقراطي الامريكي واليسار الاوربي واليسارالامريكي بانسحاب مبكر وسريع للقوات الامريكية في العراق، فهي تريد تحقيق ما يلي :

1 – ان لا تنفرد امريكا بالكعكة العراقية، فالانسحاب من الممكن ان يتيح للشركات الاوربية الفرصة الاستثمارية والحصول على عقود عمل وتشغيل واستثمار، ولعل معارضة هذه الدول منذ البداية غزو العراق كان مبعثه هذا السبب، اضافة الى الديون المتراكمة على عهد صدام والتي كانت هذه الدول تخشى ان لا تدفع، وبالفعل، فهذا هو ما تم، حيث تمّ اسقاط النسبة الكبرى من هذه الديون تحت الضغط الامريكي المُلح، والوعود بافساح المجال للشركات التابعة لهذه الدول بدخول السوق العراقي الذي استفادت منه الشركات الامريكية والبريطانية بالدرجة الاولى،

2 – لا تريد اوربا ان ترى امريكا مستفحلة – بقواها العسكرية – اقتصاديا وسياسيا وثقافيا في دول الشرق الاوسط، كذلك سيطرة شركات البترول الامريكية على منابع النفط العربية منذ الثلاثينيات – – – فالانسحاب المبكر من العراق يحدّ من الهيمنة الامريكية على العالم العربي، انطلاقا من العراق.

3 – لا شك ان اوربا تضمر عداءا مستترا للسياسة الامريكية منذ الستينيات عندما قاد ديغول هذه السياسة، رغم دور امريكا الكبير في تحرير فرنسا خاصة وتحرير اوربا عموما من النازية، وقيام امريكا بانشاء مشروع مارشال الشهير لأعمار اوربا. لكن اوربا تعلم علم اليقين بان لا احد قادر على ازالة الانظمة الدكتاتورية وفتح الطريق امام الديمقراطية للعرب، غير القوة العسكرية الامريكية، ولعل هذا قدر امريكا وقدر اوربا.

4 – ان اوربا تعلم ان الثقافة الامريكية اقرب الى العرب من الثقافة الاوربية ورغم كراهية معظم المثقفين العرب للوجود الامريكي في العالم العربي لنوازع دينية وقومية وسياسية مختلفة الاّ ان الشباب العربي يقبل على التعليم الامريكي والموسيقى والسينما الامريكية واللباس والطعام الامريكي بمختلف انواعها اكثر من اقباله على مثيلاتها من اوربا مما يعني الولاء المستقبلي للشباب العربي للثقافة الامريكية وهو ما يقلق اوربا ويجعلها تطالب امريكا بالحد من وجودها في المنطقة العربية، وفي مقدمتها العراق.

لكن ماهي بالتالي اسباب العرب في مطالبتهم انسحاب القوات الامريكية المبكر من العراق بالذات ؟ – – – فللعرب اسبابهم الكثيرة ايضا منها:

1 – يفرق العرب بين الاحتلال من قبل دولة عربية او اسلامية وبين الاحتلال من قبل دولة غربية مسيحية، فالمقاومة والرغبة في ازالة الاحتلال تنطبق على الاحتلال الغربي المسيحي فقط. ويتحول الاحتلال في النهاية الى صراع ديني. كما هو الحال الان في العراق – – – فالاحتلال العثماني الاسلامي استمر اربعة قرون للعالم العربي دون اية مقاومة تذكر. بل ان بعض المؤرخين العرب وخاصة المتدينون منهم ينكرون تسمية الاحتلال العثماني لبلادهم استعمارا. ولذا استمر الاحتلال السوري للبنان قرابة ثلاثين سنة دون ان تطالب لبنان بانسحاب هذا الاحتلال الا بعد اغتيال رئيس وزرائها رفيق الحريري. وعندما تم الانسحاب السوري، كان ذلك بموجب قرار مجلس الامن. فلو كانت السيطرة الاجنبية للعراق اسلاميا، لما أثيرت حولها كل هذه الضجة – – – وهذه الحساسية المفرطة ضد اي تدخل غربي مسيحي مسلح في الشؤون العربية لا توجد الا عند العرب، كونهم معتنقين دينا مغايرا لدين الغازي المسلح، تستخدم نصوصه التاريخية على ارض الواقع ومثالها الواضح والقائم الان هو في – حزب الله – و- القاعدة – و- حماس – والجهاد الاسلامي – وكتائب الاقصى – وعشرات الجماعات الدينية المسلحة في العراق وفي غير العراق.

لكننا لم نجد هذه الحساسية المفرطة لدى معظم اليابانيين البوذيين من الاحتلال الامريكي لبلادهم رغم ان امريكا قتلت لاكثر من نصف مليون ياباني في هيروشيما ونجازاكي عام 1945 ، علما ان الاحتلال الامريكي لاراضيهم ما زال قائما الى الان. – – – ولم يكن لدى الكوريين البوذيين هذه الحساسية المفرطة ضد الاحتلال الاجنبي لبلادهم لحد الان و رغم تقسيم امريكا لبلادهم الى كوريتين، ولم يكن لدى الالمان هذه الحساسية المفرطة رغم تقسيم بلادهم الى شرقية وغربية ورغم وجود الاحتلال الامريكي على اراضيهم لحد الان.

ان قوات التحالف الموجودة في العراق حاليا لا تسعى لتقسيم العراق كما يزعم البعض، بل ان وجودها في العراق هو الضمانة الكبرى للحيلولة دون تقسيم العراق. فالخناجر الطائفية هي التي قطعت الكعكة العراقية الى ثلاث قطع. ولكن لا احد من الشيعة او السنة او الاكراد يجرأ ان يذهب بقطعته من الكعكة بعيدا. فالغرب، اوربيا وامريكيا وآسيويا، يؤمن بان قوة العراق واستقراره يكمن في وحدته، وهو ايمان لا يُقرن بالشعارات، وانما بالعمل المثمر المتمثل بارسال القوات والتضحية بالمال والبنين وشطب الديون العراقية ومنح الخبرات الفنية والمساعدات التقنية في الشؤون كافة ودعم العراق في الاوساط الدولية سياسيا وماليا، في سبيل بناء عراق جديد مزدهر.

2 – ينظر العرب الى الوجود الامريكي في العراق من خلال عهود الاستعمار العثماني والبريطاني والفرنسي، وهم لا يفرقون بين الاستعمار الذي جاء دون دعوة، والجيوش التي جائت بناء على دعوة اهل العراق لتحريرهم من جكم سياسي بغيض، اصبح من المتعذر ازالته بالقوى الذاتية الداخلية، وهم لا يفرقون بين الاستعمار الطامع بخيرات البلد المحتل وبين احتلال جاء لكي يعبد الطريق امام الشعب لكي يستعيد

حريته ويبني كيانه الديمقراطي. يرحل ضمن جدول زمني محدد، لكن العرب تعاملوا مع الوجود العسكري الامريكي في العراق بالنظرة والسلوك نفسيهما اللذين بهما الاحتلال الاسرائيلي والانكليزي. فالعقدة النفسية ما زالت تحكم تصرفات العرب تجاه الغرب عموما.

3 – يوجد لدى العرب حساسية مفرطة تجاه الوجود العسكري الاجنبي نتيجة لتاريخ الاستعمار الطويل في بلادهم، في حين ان لا حساسية للقوات الاجنبية في قواعد مختلفة من العالم العربي. كذلك ليس للعرب اية حساسية تجاه القوات الاجنبية (الناعمة) وخاصة الامريكية المتمثلة بالثقافة والاقتصاد والتربية والتقنية العلمية التي هي اكثر تأثيرا على تطويع الشعوب من القوة العسكرية. ومن هنا تطلب بعض الدول من حلفائها في الغرب وخاصة امريكا بتصفية قواعدها العسكرية على اراضيها، مع استبقاء قواتها الناعمة بمختلف اشكالها مسيطرة على الحياة في هذا البلد او ذاك.

4 – العرب ليسو خائفين من الوجود العسكري في العراق على العراق بقدر ما هم خائفون من ان يكون هذا الوجود ضمانا لنجاح البناء السياسي العراقي الجديد، وهم يدركون تمام الادراك بان بقاء القوات العسكرية الامريكية في العراق مدة طويلة من شأنه تثبيت العهد الديمقراطي الجديد. وجعله النموذج العربي المحتذى، وان وان انسحاب هذه القوات المبكر من العراق قبل ان يستكمل العراق قوته ويستعيد عافيته الامنية، سوف يؤدي الى اسقاط هذا النموذج غير المرغوب فيه من قبل الانظمة العربية. ومن قبل الاحزاب الدينية والقومية العربية عموما، ولذا يسعى العرب بكل ما اوتوا من قوة الصوت وطول اللسان كأمّة متميزة، ( كظاهرة صوتية ) كما وصفها المفكر السعودي عبد الله القصيمي، الى المطالبة بانسحاب القوات الاجنبية في العراق باسرع وقت ممكن. وعبارة – اسرع وقت ممكن – تعني قبل استكمال البناء العام في العراق لكي يتورط العراق في حرب اهلية، لا يمنع قيامها الان غير هذه القوات الامريكية، فكل المؤشرات في العراق تشير الى امكانية نشوء هذه الحرب بتشجيع وتمويل عرب الجوار، لكي يتم الحريق المرغوب، ولا يعود العراق النموذج، ولكنه يصبح النموذج السيء الذي تتمناه الانظمة العربية.

5 – بعد اكتشاف البترول في العالم العربي في الثلاثينيت من القرن الماضي ارتبطت كلمة النفط بالاستعمار واستعملتا في الخطاب السياسي العربي. فلا يذكر الاستعمار الا ويذكر معه النفط وبان الاستعمار يسعى بكل الوسائل للسيطرة على ابار النفط ويختلق الذرائع لكي يبقى في العالم العربي ولا يخرج منه اصلا.- – – لكن لاحظنا الدول الاوربية الاستعمارية تخرج من العالم العربلي بعد اكتشاف النفط بسينوات، فبريطانيا تخرج من العراق 1932 بعد اكتشاف البترول 1931 وفرنسا تخرج من سوريا ولبنان 1946 ومن تونس 1956 ومن المغرب 1955 ومن الجزائر 1962 وخرج الايطاليون من ليبيا 1951 . لكن عندما اكتشفت امريكا النفط في السعودية 1938 بقت فيها و لا تزال باقية.- – – وعندما قادت امريكا حرب الخليج 1991 قال العرب انذاك : ان امريكا دخلت الخليج بعد ان ورطت صدام في هذه الحرب وهي جاءت لنهب نفط العرب وليست لطرد صدام من الكويت، لكن الايام اثبتت العكس، فقد انسحبت القوات الامريكية دون ان تاخذ معها قطرة نفط واحدة وكان الذي احرق نفط الكويت هو صدام وليست قوات التحالف.

6 – يعتقد العرب ومعهم فئة من العراقيين الحالمين بعودة النظام البائد، ويتصورون ان القوات الامريكية في العراق عثرة، لكن هذه العثرة هي في طريق استيلاء حزب البعث من جديد على الحكم، وعثرة في طريق تحويل العراق الى دولة دينية على غرار دولة الملالي في ايران – فلنتخيل وضع العراق الان لو كان قد تم القضاء على الطاغية صدام بانقلاب عسكري، ولا يوجد داخل العراق قوة اجنبية لمنع التقسيم وقيام حرب اهلية.

دعونا نسأل انفسنا – – – ماذا خسر العرب من الوجود العسكري الامريكي في العراق ؟

في واقع الامر لم يخسوا شيئا بل كسبوا الكثير، والخاسر هو امريكا نتيجة حماسها واندفاعها لتحرير شعب العراق من سلطة الجور والجبروت التي خسرت من اجله اكثر من 300 مليار دولار واكثر من 2000 جندي في حين كسب العرب تلك الاصلاحات السياسية التي تمت في مختلف ارجاء العالم العربي، كسبوا زفير الرعب والخوف، الى جانب كسبهم شهيق الحرية والديمقراطية، بعد ان تمّ تنظيف الرئة العربية من ربو الريبة والتوجس من السلطة، نعم انهم كسبوا تأديب الدكتاتوريات العربية العاتية بالاطاحة حينا كما حدث في العراق عام 2003 وفي مصر وليبيا عام 2011 وتقليم الاظافر في اليمن وسوريا. ولم يخسر العرب فلسا واحدا ولا قطرة دم حمراء من دماء جيوشهم (الظافرة) القابعة في الثكنات العسكرية تعلف وتغني الميجنا والعتابة.

من كتاب ( لماذا ؟ ) للكاتب الاردني المعروف شاكر النابلسي مع التصرف

About this publication