Barack Obama — Barack the Lord

<--

كان من المفترض أن يفرح الشعب العراقي بخروج المحتل الغاشم من أراضيه , وكان من المؤمل أن يكون لهذا اليوم التاريخي في حياة العراقيين اشراقة شمس غيبت طويلا عنهم , كما كان له أن يكون علامة ناصعة في التقويم العصري ليس للأمة العربية فحسب بل لكل الأمم في العالم , فما حدث في العراق يمكن أن يصنف من أفضل الانجازات على المستوى المحلي والعربي والدولي في آن واحد . فهو بالفعل أسمى الانجازات بكل معنى الكلمة ! و إذا ما أريد أن يرشح أفضل أحداث عام 2011 عالميا فبالتأكيد لن يكون انسحاب الاحتلال الأميركي من العراق , بل إخراج المحتل بلا مناص .من السهل جدا تحت ضغوطات العولمة الإسرائيلية والذرائع الانكلواميركية أن يستباح بلد وتبسط فيه النفوذ الاستعمارية تحت مسميات الحريات التعددية والأنظمة الديمقراطية وشعارات محاربة الإرهاب الدولية ليصحو هذا البلد على هدير الدبابات والهمرات والناقلات العسكرية فيكون محتلا بين ليلة وضحاها , وهذا ما جرى في العراق تحديدا ! لكن من الصعب أن يستطيع هذا البلد بعد هدم بنيته التحتية , المدنية والعسكرية وقتل الروح المعنوية فيه وزرع الفتنة الطائفية بين صفوف شعبه أن ينهي جبروت هذا الاحتلال وطرده إلى خارج الحدود الفعلية , وهذا ما لم يحدث في العراق !!! فقد كانت المقاومة العراقية بالمرصاد ـ وليس بالضرورة أن تكون تلك المقاومة عسكرية بل هناك أيضا مقاومة سياسية مناوئة للاحتلال تمثلت بالنخب السياسية المفاوضة ـ حيث تكاتفتا على إخراج المحتل وخلال الفترة الزمنية المتفق عليها , وفي الوقت الذي اعد فيه انتصارا للشعب وللمقاومة بكلتا شقيها , اعتبر أيضا فشلا وهزيمة منكرة للمحتل بكل إمكانياته المادية وترسانته العسكرية المتقدمة وجعله يجر أذيال الخيبة والهوان لما لقيه من خسائر جسيمة لا تحصى , ولا يمكن أن ينسى نكسته على مر السنين القادمة , كل هذا وأكثر دفع بالإدارة الأميركية ومن والاها من الحلفاءالبريطانيين والاسرائيلين إلى قتل الفرحة في عيون العراقيين ووأدها في مهدها قبل أن تستوطن البيوت والشوارع فجعلت لانسحابها غطاء إعلامي يعتم على خذلانها بافتعال أزمة سياسية جديدة بين الفرقاء ويفوت على الشعب العراقي فرحته بانتهاكه الهيكلية النظامية للدولة قبل الأجساد والأرواح للشعب .فعلها اوباما ونغص على العراقيين فرحتهم , ساعات قليلة فصلت بين فرحة الانسحاب وحزن الخراب , الخراب الذي عم العملية السياسية والبنية الحكومية من خلال قضية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وتداعياتها على الشارع العراقي الذي طاله الخراب أيضا بالأرواح المدنية التي تساقطت في صبيحة يوم كان من المفترض فيه أن تشرق الشمس مبتسمة على ارض الرافدين وبدل أن تسطع بابيضاض الآمال باستقرار امني وسياسي , اصطبغت بحمرة الدم النقي المراق على تربة الوطن . فعلها اوباما واخرج الشوكة التي أنبتتها يد المقاومة العراقية في عين الإدارة الأميركية ووخز بها هرم الحكومة ونخرجسد الدولة وجعل المكونات السياسية تتناحر فيما بينها كل في واد . مسلسل التناحرات السياسية تطفو من جديد على السطح وبشدة أقوى من ذي قبل مصحوبة بالاتهامات المتبادلة للقيادات المتنفذة في الدولة والشارع العراقي يفور من الغليان بسبب الأوضاع السياسية المتذبذبة وما ترتب عليها من تفجيرات استهدفت مكونات الشعب الذي بات يتوجس خيفة من أن ترجع الأمور إلى سابق عهدها من تردي الملف الأمني وانعدامه وانفلات النظام أو الاضطرار إلى عودة المحتل ـ إن فقدت المكاسب الشكلية المستحصلة للمواطنين ـ والذي إن رجع سيكون بالتأكيد بثوب أخر ولا يستبعد أن يكون اشد ضراوة وأكثر بأسا .

About this publication