أفادت “بوابة الأهرام” الإليكترونية وثيقة الصلة بالحكومة، مساء يوم الجمعة الماضي، أن الدكتور كمال الجنزوري رئيس الحكومة يتابع التحقيقات الجارية في قضية التمويل الأجنبي من دول خارجية لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية المصرية، وأنه طلب سرعة موافاة مجلس الوزراء بنتائج التحقيقات، وكشفت “البوابة” أن قضاة التحقيق، توصلوا إلى تورط أكثر من 90 جمعية ومنظمة أهلية وحقوقية في تلقي “تمويل” من الخارج و دون تصريح قانوني، قبل وبعد ثورة 25 يناير، بهدف زعزعة الاستقرار، ونشر الفوضى والتخريب في البلاد. هذه التسريبات تأتي في سياق المعركة الدبلوماسية الدائرة الآن بين القاهرة، والغرب، إذ أنها عقب صدور بيانات من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، استنكاراً لقيام الأجهزة الأمنية والقضائية المصرية، باقتحام وتفتيش مقار العديد من المنظمات الحقوقية، وضبط أموال وأجهزة كمبيوتر ومستندات وأوراق هامة في القضية، وتشميع هذه المقار، وعلى الأخص المعهدين الديمقراطي، والجمهوري الأمريكيين، اللذين يعملان في مصر منذ سنوات بدون ترخيص، ونُسب إليهما في الآونة الأخيرة، مع منظمات مصرية أخرى العمل على نشر الفوضى والفتن في البلاد، تحت مسمى دعم الديمقراطية.
بحسب المعلومات المتاحة فإن تفتيش فرع المعهد الديمقراطي الأمريكي وإغلاقه بأسيوط جاء ضمن الردود المصرية العملية، على البيانات الأمريكية والأوروبية الرافضة لمراجعة ومحاسبة المنظمات الممولة أجنبياً، وتلك الأجنبية التي تعمل بدون تراخيص قانونية، انتهاكاً للسيادة المصرية على أراضيها، مثلما أن هذه التسريبات، من مجلس الوزراء، هى بغرض التأكيد على أن مصر ماضية قُدماً في التصدي لقضية التمويل الأجنبي، وهى نفي غير مباشر، للتصريحات المنسوبة لمسؤول أمريكي، أعلن أن السفيرة الأمريكية بمصر آن باترسون، قد تلقت تأكيدات، بترك هذه المنظمات تواصل نشاطها، وإعادة الأجهزة المُصادرة إليها، والتوقف عن ملاحقة المتورطين في تلقي التمويل الأجنبي، ونسي هذا الأمريكي أن يطلب الاعتذار لهؤلاء المخالفين للقانون(!!).
يبدو أيضا أن هذه التصريحات للمسؤول الأمريكي، هي لبعث الطمأنينة في نفوس رجالها وعملائها، من الذين تعرضت مقارهم للتفتيش، وفى طريقها للحساب، وهي تصريحات لا تعني شيئاً ذا بال، سوى تسجيل مواقف للاستهلاك الإعلامي، وآية ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تدعم الدكتور أيمن نور بشدة، لم تفلح في إنقاذه من خمس سنوات سجناً، حكمت بها عليه محكمة الجنايات، بعدما سقط في جريمة تزوير توكيلات حزب الغد المقدَّمة للجنة الأحزاب عند تأسيس الحزب، وهذا رغم إصدارها والاتحاد الأوروبي والمنظمات الحقوقية بيانات كثيرة استنكارية شديدة اللهجة، لما وصفته آنذاك بالحملة على أيمن نور منافس مبارك على الرئاسة، وهو ما تكرر حرفياً، مع عالِم اجتماع كبير، يدير مركزاً حقوقياً، وكان يتحدى النظام المصري البائد، استنادا إلى علاقته الدافئة بالأمريكان، ورؤسائهم المتتاليين، بحيث إنه كان يقابل الرئيس الأمريكي، بأسرع وأسهل، مما يستطيع رئيس الجامعة لدينا، أن يُقابل رئيسه المباشر وزير التعليم العالي، ومع ذلك، لم يسلم هذا العالِم، من السجن ثلاث سنوات على خلفية اتهامات تتعلق بتلقي التمويل الأجنبي، وأيضا لم تستطع أمريكا إنقاذه، وذلك رغم الخصوصية الشديدة التي ميزت علاقة مبارك بالأمريكان، وكانت حجته أنه لا يتدخل في عمل الأجهزة القضائية.
وعلى كل حال فإن هذه التعهدات التي يتحدث عنها المسؤول الأمريكى، إن كانت صحيحة، فربما تكون من المجلس العسكري، وفي هذه الحالة فهي لا تلزم الحكومة، التي حصل رئيسها الجنزوري على تفويض بممارسة صلاحياته كاملة، خاصة، إذا أخذنا في الاعتبار تصريحات وزير الخارجية محمد كامل عمرو لجريدة الجمهورية القاهرية يوم السبت الماضي (٣١ ديسمبر)، والتي أشار فيها إلى أنه ليس هناك مداهمات من الشرطة، للمنظمات الحقوقية، لكنه تحقيق تقوم به جهات قضائية، ورجال قضاء، وأن تواجد الشرطة هو لتأمين رجال القضاء لكنها لم تشارك في تفتيش أو مداهمات.
وعودة للتسريبات عبر “بوابة الأهرام” وثيقة الصلة بالمصادر الحكومية، بشأن متابعة الجنزوري وحكومته للتحقيقات، إنما تحمل رسالة مزدوجة، للداخل حيث الشعب، مفادها أن الحكومة ماضية في طريق التصدي لهذا الاختراق الأمني للبلاد، حتى آخره، خاصة أنه قد يكون مرتبطاً بالأحداث الأخيرة التي أحرقت المجمع العلمي وكادت تحرق القاهرة، أما الجانب الآخر من الرسالة، فهو الموجه للخارج، والولايات المتحدة الأمريكية تحديدا، وهي أن تعهدات العسكري إن كانت صحيحة، فهي ممن لا يملك لمن لا يستحق، وأن هذه التعهدات لا تلزم الحكومة، و هذه أمور منطقية، إذا عُدنا للوراء قليلاً، تذَّكرنا أن على رأس مهام الحكومة الحالية، استعادة الأمن، وأن الجنزوري طلب تفويضاً بممارسة صلاحياته كاملة، وكان له ما أراد، ومن ثم غُلت يد العسكري عملياً عن التعامل مع هذا الملف الأمني بالأساس، نظراً لأن أي تخريب أو عنف، على شاكلة أحداث ماسبيرو، ومن بعدها محمد محمود، ثم موقعة مجلس الوزراء، لا يمكن أن تتم مجاناً ودون وجود من ينفق على أجيج نيران الفتنة والأحداث عموماً.
بقيت نقطة مهمة تنبئ بأن المجلس العسكري والحكومة هما يد واحدة في التصدي لقضية التمويل الأجنبي، وهى الإبقاء على فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي في التشكيل الوزاري الأخير، رغم الحملة الشرسة التي شنتها حركة 6 إبريل، وهذه المنظمات ضدها، والضغط من أجل عدم توزيرها مجدداً، وكاد الجنزوري يرضخ لهذه الضغوط، إلا أن العسكري، رفض بشدة إبعادها عن الوزارة، وتمسك بها، وقد تم إفهام الجنزوري من العسكري، بالدور الذي لعبته أبو النجا، في كشف التمويل الأجنبي، والتصدي له، دبلوماسياً مع الأمريكان والأوروبيين، وإلى ان صار الآن ملفاً “جنائياً” بين يدي الأجهزة القضائية.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.