الديمقراطية بنكهة أمريكية
تتفاوت حظوظ الدول العربية من البؤس السياسي.. ولكنها تتساوى فى خضوعها للمؤثرات والضغوط الأمريكية، التى تنصب من نفسها رقيبا على الحريات وحقوق الإنسان ومدى احترام مبادئ الديمقراطية فى العالم العربى.
وكان من نتيجة هذه المؤثرات والضغوط أنه بمجرد انسحاب آخر جندي أمريكي من العراق، أنْ سارع رئيس الوزراء نور المالكي الشيعي إلى طرد نائبه طارق الهاشمي بتهمة الإرهاب، وهى التهمة التي استخدمها الأمريكيون ضد خصومهم للتخلص منهم. ولم يكد ينسحب آخر جندي أمريكي بعد أن أمسك المالكي بزمام السلطة وحصل على تأييد الرئيس الأمريكي أوباما حتى عادت الانفجارات والسيارات المفخخة إلى بغداد. إيذانا بانهيار الائتلاف العراقي بين الطوائف والكتل السياسية.
هذه في الأغلب هي الديمقراطية التي أعلن أوباما أن الاحتلال تركها وراءه في بلد مستقر بعد تسع سنوات، لتبدأ بعدها تصفية الحسابات بين القوى السياسية على يد المالكي.
نحن فى مصر لا نريد ديمقراطية من هذا النوع برعاية أمريكية. تعمل فى أغلب الأحيان طبقا لرؤية خارجية. ولذلك يثور القلق فى مصر كلما تدخلت هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية أو أوعزت إلى الناطقة بلسانها فى الخارجية لإبداء رأيها فى الأوضاع الداخلية فى مصر. وقد لوحظ أن الخارجية الأمريكية دأبت بصورة منتظمة شبه يومية على إبداء ملاحظاتها وتوجيه انتقاداتها للثورة والمجلس العسكرى فى موقفه سواء من المعتصمين والمتظاهرين أو من جانب قوات الأمن واستخدامها المفرط للقوة على حد قولهم. وهو ما حدا بوزير الخارجية المصرى إلى الرد على الخارجية الأمريكية، بأن مصر لا تقبل التدخل فى شئونها من أى دولة كانت.
والمسألة هنا ليست فى تصريحات بالإدانة أو التأييد تصدر من كبار المسئولين فى أمريكا، تطالب المصريين بضبط النفس.. ولكنها فى محاولة التدخل لتوجيه الأحداث فى الشارع المصرى، ودفع المجلس العسكرى إلى اتجاهات متناقضة لا تخدم مصلحة الوطن واستقراره. وتلعب الصحافة الأمريكية دورا مهما فى التحريض والإثارة.
وقد جاءت تصريحات وزير العدل المصرى عن الأحداث التى وقعت فى التحرير ومحمد محمود والشيخ ريحان، لتؤكد مخاوف عديدة.. فقد ذهبت التحقيقات التى جرت إلى تورط أشخاص فى تقديم مبالغ مالية طائلة إلى مجموعات من الصبية والشباب مقابل القيام بأعمال تخريبية داخل منشآت ومؤسسات حيوية..
بعد تسليمهم عبوات البنزين والزجاجات الفارغة. وأكد وزير العدل أن ملف التمويل الأجنبى يبحث حاليا مدى قانونية تلقى أكثر من 200 منظمة حقوقية عشرات الملايين من الدولارات من الخارج
واكتملت الصورة بما أكدته أجهزة أمنية سيادية عن رصد تحركات واتصالات لعناصر أجنبية خارجية، لتنفيذ سيناريو مخطط لإسقاط الدولة فى ذكرى مرور عام على الثورة يوم 25 يناير المقبل، من خلال قيام ثورة أخرى. هدفها الدخول فى الاشتباكات مع عناصر القوات المسلحة. والتجهيز لإشعال حرائق وإثارة الفوضى.
وطبقا لما تقوله المصادر الأمنية أن ثمة جهات خارجية تسعى لتوريط شخصيات وعناصر فى الداخل لتنفيذ هذا السيناريو.. على أن تتولى جهات أجنبية تنفيذ بقية المخطط، بما يؤدى إلى التدخل وفرض الوصاية على مصر.
تتردد هذه المخاوف فى رسائل تدعو إلى الحيطة والحذر منشورة على موقع «الفيس بوك» للتواصل للمجلس العسكرى.
هذه المخاوف، سواء قامت على أساس أو لم يكن لها أساس من الصحة.. فإن الهواجس التى تثيرها الملاحقات الأمريكية بإلحاحها الشديد، على ما يعد تدخلا فى شئون مصر، وإساءة استغلال المعونة الأمريكية من تمويل منظمات حقوقية بغير علم الحكومة.. يستدعى إلى الذاكرة ما ارتكبته قوات الاحتلال الأمريكية من دسائس ومؤامرات فى العراقانتهت إلى ما انتهى إليه العراق الآن من تمزقات وانقسامات طائفية حادة أطاحت بالدولة وسوف تجعله لقمة سائغة لكل من إيران وأمريكا.. لإقصائه تماما عن العالم العربى…
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.