وزيرة التعاون الدولي المصرية الدكتورة فايزة أبو النجا أعلنت في مؤتمر صحفي مساء السبت الماضي (1يناير), أن الأموال التي دخلت مصر بعد ثورة 25 ينايرلتمويل أنشطة سياسية غير مشروعة, تزيد على 200 مليون دولار, أي بما يوازي مليار و200 مليون جنيه مصري, تمويلاً سياسياً أمريكياً لمنظمات المجتمع المدني المصرية, من خلف ظهر الحكومة, وبالمخالفة للقانون, مشيرة إلى أنه حتى في الولايات المتحدة الأمريكية التي تستنكر التصدي لهذه المنظمات, ليس مسموحاً بـ”التمويل السياسي” , وأشارت إلى أن عدداً من المنظمات الأجنبية (أمريكية وألمانية) تعمل بدون ترخيص من الحكومة بالمخالفة للقانون.
على أن المثير للدهشة هو مسارعة مسؤلي المعهدين الديمقراطي, والجمهوري الأمريكيين, بالسفر خارج البلاد, خشية الملاحقة القضائية, بينما أصحاب “منظمات” أو بالأصح “بوتيكات” حقوق الإنسان المصرية المتضررين, أقاموا الدنيا ولم يقعدوها, وراحو ينسبون لانفسهم بطولات وهمية, زاعمين أنهم القائمون بالثورة, وان العسكر يعاقبونهم, وانهم شهداء يدفعون ثمن مواقفهم البطولية.
المتأمل لطريقة ومنطق أصحاب البوتيكات الحقوقية في الدفاع عن أنفسهم, لابد أن يُصاب بالدهشة, إذ ان هناك مجموعة من الملاحظات والتساؤلات حول دفاع أصحاب البوتيكات والقضية برُمتها وهي:
1- أن غالبية هؤلاء المتورطين هم من المحامين, أي من رجال القانون, ومن الذين يصدعون أدمغتنا بـ”الشفافية”, التي ينادون بها ليل نهار, في مواجهة الحكومة والمجلس العسكري, ومن قبلهم النظام البائد, فلماذا يرفضون الآن إعمال هذه الشفافية على أنفسهم ؟, أم أنهم مثل هؤلاء الذين وصفهم المُبدِع جبران خليل جبران بأنهم “الكهان الذين يعظون الناس بما لا يتعظون به”, وممن ينطبق عليهم قول الشاعر “يا أيها المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم”, وقد كان الأولى بهم ألا تغريهم الأموال ببريقها, وينساقون وراء مخالفة القانون, حتى لو خدعوا أنفسهم بإكذوبة حقوق الإنسان, مثلما تخدع امريكا العالم بتلك الاكذوبة الكبرى, ولعل فضائح سجن أبو غريب العراقي, ومعتقل جوانتانامو, خير شاهدين على “الريادة” الأمريكية في مجال انتهاك حقوق الإنسان, والتفاصيل معروفة للجميع.
2- أن التلويح باللجوء للغرب والمنظمات الدولية, فضلا عن أنه يُفقد أصحاب البوتيكات, أي قدر من التعاطف الشعبي, فإنه لن يفيدهم, إذ أن الإجراءات ماضية وفقا للقانون, وبمعرفة الجهات القضائية المختصة, ولا يجوز المطالبة من الداخل او الخارج بالتدخل في اعمال السلطة القضائية, حفاظا على “مبدأ” استقلال القضاء, وهو من المبادئ التي ينادي بها الغرب ومن ورائه أصحاب البوتيكات, أم أن المبادئ مطاطة وتتجزأ ؟ !!.
3- ان الغرب سواء كان امريكياً أو أوروبياً يؤمن جيدا بـ”الفلسفة البراجماتية”, ويتخذها منهجاً لحياته, وهي تعنى “النفعية”, بمعنى انهم يؤيدون الفكرة بقدر “المنفعة” التي تعود عليهم منها, وباختصار, فإن الغرب ليس جمعية خيرية, تنفق اموالها لأغراض إنسانية ونبيلة, وإلا لكان ملايين الجياع بالصومال أولى بهذه ألـ 200 مليون دولار المتدفقة على المنظمات أو البوتيكات الحقوقية بمصر, عقب قيام الثورة.
4- من الطبيعي أن يكون للممول الأمريكي أوالأوربي أغراض وأهداف, حتى لو كانت بعيدة المدى أو غير ظاهرة, خاصة أن مصر مستهدفة, ويؤكد ذلك ما يجري حولنا من تقسيم للسودان وتمزيق للعراق وتشريد شعبه وإحراقه بنار الفتن المذهبية, ومعلوم أن نجاح مخطط تقسيم السودان جاء تالياً بعد تسلل العملاء من خلال المنظمات الإنسانية, وتمكنهم من تجنيد عملاء محليين, وهو نفس ما حدث في العراق وأفغانستان, سيما أن الأمن القومي المصري محاط بالمخاطر الجَمة من كل جانب, حيث إسرائيل شرقا, وليبيا المخترقة مخابراتيا غربا, وجنوبا السودان الذي صارالجنوب منه ملعبا للموساد.. وإذا كان واقع الحال يشير إلى أنه ليس بمقدور مصر, أن تكون فاعلة, فيما يدور حولها, فهل تنتظر مصر وتسكت على “الخلايا” النائمة” بالداخل, وهي خلايا يتم تحريكها وقت اللزوم, بل وتم تنشيطها بالفعل بعد الثورة؟, أم يجب التصدي لتصفية هذه الخلايا والبؤر الشيطانية؟ التي هي مجرد ادوات للغرب ؟.
5 – هذه البوتيكات المحتكرة وحدها لمُسَمى منظمات “المجتمع المدني”, وعلى مدار سنوات ظهورها على الساحة المصرية, تكاد تكون عديمة الأثر, إلا نادراً, فهي لم تنجح “قبل ثورة يناير” في الحد من التعسف والتسلط الشرطي, كما لم تفلح في كبح جماح آلة التعذيب الجهنمية, أومجرد تهدئتها, ولا نقول منعها, والدليل على ذلك أن أشهر حالات التعذيب التي خضعت للمحاسبة, وهي حالات عماد الكبير وخالد سعيد, فجرتهما قناة الجزيرة.
6- أن آلية عمل ونشاط هذه “البوتيكات” قبل الثورة, تبدأ بتلقي شكاوى المتضررين, وتجميع الشهادات حولها, وتقديم “بلاغات” بها للنيابة العامة, يكون مصيرها الحفظ غالباً, لأسباب عديدة , ثم يتم تجميع تفاصيل ذلك كله في “تقارير”, وإرسالها مصحوبة بما نشر عنها أو عن نشاط “البوتيك” إلى الجهة”مانحة التمويل”, أمريكية كانت أو أوروبية, كي تستعين بها وزارة الخارجية الأمريكية, فيما تُصدره من بيانات دورية عن حالة حقوق الإنسان, وهي بيانات يصدرها الامريكان للضغط على الانظمة الحاكمة وليس اكثر من ذلك, إذ أنهم ليسوا معنين بالإنسان العربي ولا حقوقه.
وبعد .. فإن هذه المنظمات أو البوتيكات, كانت إحدى مظاهر الفساد المتوافق مع النظام البائد, وعليها الآن أن تختار..إما العمل في النور بعيدا عن التمويل الأجنبي, وبالشفافية التي تنادي بها, وإما أن تذهب إلى الجحيم غير مأسوف عليها.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.