When the Candidate for the American Presidency Lost the Way

<--

عندما يضل المرشح للرئاسة الأمريكية الطريق

إيهاب وهبة’

أضف تعليقكتعليقات : 0 آخر تحديث: السبت 24 ديسمبر 2011 – 8:00 ص بتوقيت القاهرة

معروف أن المرشحين فى الانتخابات الأمريكية، سواء كانت هذه الانتخابات نيابية أم رئاسية، يبذلون أقصى الجهد من أجل الحصول على أصوات الجالية اليهودية، وتبرعاتها المالية لدعم حملاتهم الانتخابية. وفى سبيل تحقيق ذلك يتنافسون على إظهار التأييد للدولة العبرية وسياستها، ويتسابقون على تقديم الوعود والتعهدات المسبقة إليها. وفى سياق التزلف المبتذل إلى الجالية اليهودية، خرج علينا أحد مرشحى الحزب الجمهورى لمنصب الرئاسة الأمريكية المقبلة، وهو نويت جينجريتش، فى مقابلة على إحدى القنوات التليفزيونية اليهودية وفى مناظرة لاحقة، بثلاثة اكتشافات سياسية دفعة واحدة، أعتقد أنها كانت غائبة على الجميع. الاكتشاف الأول هو أنه لم يكن هناك فى السابق دولة فلسطينية، إذ إن فلسطين كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية. أما اكتشافه الثانى فكان تأكيده أن الشعب الفلسطينى قد تم اختراعه اختراعا!. أما الثالث فكان اعتباره الفلسطينيين مجموعة من الإرهابيين لا أكثر ولا أقل!.

جينجريتش هذا معروف بمواقفه المتعصبة والعنصرية ضد الأقليات وضد المرأة، غير إن ما قاله آنفا فى حق الفلسطينيين قد تجاوز كل حد، فضلا عما احتوته التصريحات من أكاذيب وأخطاء تاريخية.

نعلم بالطبع أن فلسطين لم تكن دولة فى تلك الفترة التاريخية التى يتحدث عنها، كذلك الحال بالقطع بالنسبة لإسرائيل، بل والحال نفسه ينطبق على أكثر من 140 دولة لم تكن تتمتع بالاستقلال فى ذلك الوقت. فقد بدأت عصبة الأمم عام 1920 وفى عضويتها 42 دولة فقط، كما بدأت الأمم المتحدة بعضوية 51 دولة عام 1945، أما الآن فإن منظمة الأمم المتحدة تضم فى عضويتها 196 دولة. لكن بالرغم من أن فلسطين لم تكن دولة فى عصر الخلافة العثمانية، إلا أنه من الثابت تاريخيا أن أرض كنعان الجنوبية قد حملت اسم «فلسطين» منذ أكثر من ألفى عام. وإذا نحن قفزنا زمنيا منذ ذلك التاريخ السحيق إلى التاريخ المعاصر، لوجدنا أن اسم فلسطين كان حاضرا تماما فى كل المواثيق والمقررات. فالمؤتمر اليهودى الأول الذى عقد فى بازل عام 1897 أكد على أن هدف الصهيونية هو السعى لإقامة وطن لليهود فى «فلسطين»، كما ورد فى منطوق قراره. كما نص وعد بلفور المشئوم لعام 1917 على الأمر نفسه، بإعلان تأييد حكومة جلالة الملك لإقامة وطن قومى للشعب اليهودى فى «فلسطين». وقررت عصبة الأمم عام 1922 وضع «فلسطين» تحت الانتداب البريطانى. ينطبق الأمر نفسه على قرار الأمم المتحدة رقم 181 فى نوفمبر 1947 (المعروف بقرار التقسيم) حيث رسم مستقبل الحكم فى «فلسطين». بل واستندت إسرائيل فى إعلان قيامها فى 14 مايو 1948 على كل القرارات السابقة. الغريب أن جينجريتش، الذى تعاطى مع مادة التاريخ فى جامعة وست جورجيا فى وقت من الأوقات، قد أغفل كل هذه الحقائق التاريخية فى تملقه المفضوح للجالية اليهودية ولإسرائيل.

***

نأتى الآن إلى ما قاله المرشح الجمهورى عن «اختراع» الشعب الفلسطينى. هذا بالضبط ما قالته جولدا مائير منذ أكثر من نصف قرن عندما أعلنت بكل تبجّح إنه لا يوجد شىء يمكن أن يطلق عليه فلسطين أو شعب فلسطين. سقط هذا الادعاء بالطبع بتوقيع إسرائيل على اتفاقية أوسلو فى سبتمبر 1993. والحقيقة التاريخية الثابتة هى أن الفلسطينيين ينحدرون من نسل الكنعانيين والفلسطينيين (Philistines) الذين عاشوا فى هذه المنطقة، وبشكل مستمر ومتصل، منذ فجر التاريخ، وقبل أن تطأ أقدام العبرانيين أرض بلادهم، وأيضا من قبل الفتح الإسلامى لفلسطين بطبيعة الحال. إذن هذا الاختراع موجود فقط فى عقل سقيم.

كنا نحسب أن صفه الإرهاب قد سقطت من القاموس السياسى منذ وقت بعيد عندما نتحدث عن الشعب الفلسطينى أو قياداته. فالرئيس الأمريكى رونالد ريجان وافق فى عام 1988 على الدخول فى حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية، وشارك الفلسطينيون فى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، والمفاوضات التى انبثقت عنه، وكان الرئيس جورج بوش الأب أول رئيس أمريكى يدعو إلى قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل وذلك عام 2002، كما استقبل الرؤساء الأمريكيون، الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء، الرئيس الراحل ياسر عرفات، ثم الرئيس محمود عباس، بالبيت الأبيض منذ تسعينيات القرن الماضى. أضف إلى ذلك أن المتحدة قد قامت برعاية المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى فى وآى ريفر، وفى كامب ديفيد، وفى أنابوليس وغيرها. أما الرئيس الأمريكى كلينتون فكان أول رئيس أمريكى يزور أراضى السلطة الفلسطينية وذلك فى ديسمبر 1998، وتحدث أمام المجلس الوطنى الفلسطينى فى غزة، مشيدا بالتعديلات التى أدخلت على الميثاق الوطنى الفلسطينى خدمة للسلام والتعايش المشترك. فهل بعد ذلك كله يعود جينجريتش فيلصق بالفلسطينيين تهمه الإرهاب؟

***

لا أريد أن أتصور المرشح الجمهورى المذكور وقد احتل مكانه فى البيت الأبيض مع مطلع عام 2013، ومع ذلك فمن يدرى ما سيحدث على الساحة الأمريكية على امتداد العام القادم. والواقع أن تجاربنا مع الرؤساء الأمريكيين، ديمقراطيين وجمهوريين، لم تسر على نمط واحد وتفاوتت مواقفهم ودرجات صمودهم أمام الضغوط الصهيونية. تجربتنا مع الرئيس باراك أوباما جاءت مخيبة تماما لكل الآمال، وبدأ الخط البيانى للعلاقات الأمريكية العربية فى الانحدار بشدة بعد خطابه التاريخى فى جامعة القاهرة فى 4 يوليو 2009. لم يستطع الرئيس الأمريكى الصمود أمام اللوبى الإسرائيلى، وفشل فى حمل نتنياهو على وقف الاستيطان، بل وقفت أمريكا بمفردها فى مجلس الأمن فى فبراير من العام الحالى ضد مشروع قرار يدين الاستيطان، مستخدمة حق الفيتو. أقول بمفردها لأن باقى دول المجلس، ومن بينهم بريطانيا وفرنسا صوتت فى صالح القرار. رفض نتنياهو كل ما طرحه أوباما من مبادئ عادلة لتسوية النزاع، وجاء خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلى أمام الكونجرس الأمريكى فى مايو الماضى بمثابة تحد سافر لرئيس البلاد. ووقف إدارة أوباما من ناحية أخرى ضد محاولات السلطة الفلسطينية الحصول على عضوية فلسطين للأمم المتحدة، واستخدمت فى ذلك كل وسائل الضغط وربما الابتزاز. لكن لم تفلح الولايات المتحدة فى منع فلسطين من الحصول على العضوية الكاملة فى اليونسكو، لكنها لجأت إلى إيقاف مساهمتها فى ميزانية المنظمة مضحية بمصالحها إرضاء لإسرائيل!

ومادمنا نتحدث عن مواقف الرؤساء الأمريكيين من إسرائيل، فلابد أن أشير هنا إلى موقف يتناقض تماما موقف أوباما السابق، وهو الموقف الصلب الذى تبناه الرئيس الأمريكى الجمهورى رونالد ريجان تجاه إسرائيل. قيل ان ريجان كان صديقا لإسرائيل، غير أن هذا لم يمنعه من إدانة إسرائيل عندما هاجمت المفاعل النووى العراقى عام 1981، حيث أيد قرارا بإدانتها من قبل مجلس الأمن، وطالبها بدفع تعويضات إلى العراق، كما فرض حظرا على إمدادها إسرائيل بطائرات F16. علينا أن نتذكر أيضا أن ريجان قام بتجميد اتفاق التعاون الإسرائيلى مع إسرائيل عندما قامت الأخيرة بالإعلان عن ضم الجولان عام 1981. وفى نفس العام أيضا تمكن من التغلب على معارضة الكونجرس إمداد السعودية بطائرات الأواكس، وقال حينئذ إنه ليس من صلاحية دولة أجنبية أن تملى الولايات المتحدة سياستها الخارجية. وفوق ذلك أعلن ريجان عن مبادرة مهمة عام 1982 لتسوية النزاع العربى الإسرائيلى، جاءت أكثر إيجابية تجاه المطالب العربية مما نصت عليه اتفاقية كامب ديفيد عام 1978.

تعثر المرشح الجمهورى الجديد حتى قبل أن يخطو خطوته الأولى فى مسيرته نحو البيت الأبيض، ذلك أن استطاع بالفعل هزيمة رئيس هو فى سدة الحكم. وأيا كان الأمر فإننا بحاجة إلى إعادة تقييم الأمور وتحديد ما يمكن عمله فى الفترة القادمة. لا أعتقد أنه علينا أن نتقبل صاغرين أربع سنوات عجاف أخرى تعكس نفس المواقف المتخاذلة التى تبناها أوباما فى فترة رئاسته الأولى، كما لا يمكن نقبل قيام رئيس جمهورى بمحو كل سبق ليعود بنا إلى نقطة الصفر.

***

About this publication