هناك عدة أمور تشغل بال المواطنين الإيرانيين هذه الأيام: من أزمة انخفاض قيمة العملة مع بدء تأثير العقوبات الاقتصادية على بلادهم إلى قلقهم من احتمال حدوث مواجهة مسلحة بين إيران والدول الغربية. كل هذا يجعل برد الشتاء أشد وأقسى ضراوة من السنوات الأخرى بالنسبة للإيرانيين.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية على وشك أن تحتفل بذكرى مرور 34 سنة على الثورة. مع جميع المشاكل المحيطة بالبلد تبدو هذه الذكرى مختلفة عن باقي السنوات السابقة. العملة انخفضت بحدة في أوائل شهر يناير، بعد أن صادق الرئيس الأميركي باراك أوباما على أقسى عقوبات مالية ضد طهران. هذه العقوبات ستجعل من المستحيل تقريبا على الشركات والدول دفع ثمن النفط الإيراني. كما أقر الاتحاد الأوروبي عقوبات على استيراد النفط الإيراني. إنتاج النفط الإيراني وبيعه يوفر 80% من دخل البلد من العملة الصعبة. أوروبا تستورد 20% من صادرات النفط الإيراني، ولذلك فإن أثر الحظر الأوروبي وحده يبقى محدودا على الاقتصاد الإيراني، لكن العقوبات على البنك المركزي الإيراني سيكون لها أثر بالغ عليه. قد تتمكن طهران من إيجاد زبون آخر يشتري النفط الذي تمتنع أوروبا عن شرائه، لكن المشكلة ستكون في طريقة الدفع. العقوبات الأميركية على البنك المركزي الإيراني ستعرض أي شركة أجنبية للعقوبات إذا تعاملت مع البنك المركزي الإيراني.
ربما تتحول كثير من الدول بعد فترة إلى تبادل السلع مقابل النفط الإيراني بسبب صعوبة الدفع المالي. هذا الأمر سيؤدي في النهاية إلى إصابة الاقتصاد الإيراني بكامله بالشلل. حتى الهبوط الحاد في قيمة العملة الإيرانية مقابل الدولار الأميركي يتعلق بتناقص احتياطي البنك المركزي الإيراني من العملات الصعبة. يمكن للوضع أن يصبح أسوأ إذا سحبت كوريا الجنوبية واليابان، أهم زبائن النفط الإيراني، عقودهما مع السلطات الإيرانية.
ولكن هل يمكن اعتبار الحظر على النفط والعقوبات ضد البنك المركزي الإيراني إعلان حرب؟ إيران تهدد بإغلاق مضيق هرمز إذا فرض الحظر النفطي بشكل فعلي على البلد. ولكن في المقابل بعثت الحكومة الأميركية رسالة إلى المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي حذرته فيها من عبور الخط الأحمر الذي يتمثل في إغلاق مضيق هرمز، والذي يمر من خلاله نسبة كبيرة من إمدادات النفط العالمية. إيران أكدت أنها استلمت رسالة من الحكومة الأميركية. يحيى رحيمي، المستشار العسكري للمرشد الأعلى، قال “نحن لدينا أطول ساحل بحري على الخليج الفارسي ونفعل ما بوسعنا لخدمة مصالحنا، وإذا كان من الضروري أن نغلق مضيق هرمز، فسوف نفعل ذلك”.
الهدف الرئيسي من هذه الضغوط التي تمارسها الدول الغربية على إيران هو إقناع السلطات الإيرانية بوقف تخصيب اليورانيوم وقبول قرار الأمم المتحدة. حتى الآن لم توافق إيران ولم تتمكن مفاوضات 5+1 مع إيران من الوصول إلى أي نتيجة بعد سنوات من التفاوض مع إيران حول برنامجها النووي. رد إيران على الضغوط الغربية قد يكون خطيرا، لكن الولايات المتحدة أظهرت جديتها في منع إيران من تنفيذ تهديدها إغلاق مضيق هرمز.
يمكن القول إن العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران متوترة جدا في هذه المرحلة كما هو واضح بالنسبة لجميع المراقبين. وزير الخارجية الروسي سيرجي لافرورف قال إن الهدف من العقوبات الغربية على النفط الإيراني هو شل اقتصاد البلد ودفع الشعب إلى الثورة على حكومته. لافروف أضاف في مؤتمر صحفي عقده مؤخرا أن “التحرك العسكري ضد إيران سيكون كارثيا، وروسيا سترى ذلك تهديدا لمصالحها الوطنية”.
وفي الوقت الذي يشتد فيه التوتر بين الدول الغربية وإيران بسبب البرنامج النووي الإيراني، أعلن وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي أن جولة جديدة من المفاوضات بين إيران ودول 5+1 سوف تبدأ قريبا. صالحي قال للصحفيين إن إسطنبول سوف تستضيف الجولة الجديدة من المفاوضات. وكانت تركيا قد استضافت المباحثات السابقة بين الطرفين في العام الماضي دون أن يؤدي ذلك إلى أي تقدم يذكر. ولم يكن واضحا عند تصريح وزير الخارجية الإيراني فيما إذا كانت الدول الأوروبية ستقبل بالجلوس مع المفاوضين الإيرانيين ما لم يقدم هذا البلد جدول أعمال واضحا للمفاوضات حول تجميد تخصيب اليورانيوم.
قد تكون إيران مستعدة لدخول مفاوضات جديدة مع دول 5+1 رغبة منها في شراء مزيد من الوقت وتأجيل العقوبات على نفطها التي يفترض أن يبدأها الاتحاد الأوروبي في نهاية شهر يوليو. لدى الشركات حاليا حوالي ستة أشهر لإنهاء صفقاتها النفطية مع طهران والبحث عن مزودين آخرين مثل السعودية. وقد بعثت إيران رسالة واضحة إلى أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، التي تحتل إيران المرتبة الثانية في تصدير النفط بينها، وحذرت الدول الأعضاء من زيادة إنتاجها من النفط كي تدعم الحظر على النفط الإيراني، وقالت طهران إنها ستعتبر ذلك عملا غير ودي.
كلما تزايدت حدة التوتر بين الجمهورية الإسلامية من جهة، وبين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى، ازداد الغموض الذي يلف الوضع في إيران. ليس هناك يوم لا يسمع فيه الناس عن ارتفاع أسعار الذهب أو الدولار في السوق الإيرانية. الاقتصاد السيئ، الإحباطات السياسية، والمواجهة غير المرغوبة مع الولايات المتحدة التي يبدو أن إيران تنزلق باتجاهها، كل هذه الأمور تجعل الشعب الإيراني يعيش في حالة من الاضطراب والقلق. الطقس بارد جدا بسبب فصل الشتاء، ومعظم الإيرانيين يحتفظون بما يملكونه من أموال في انتظار ما يمكن أن يحدث. الانتخابات البرلمانية سيتم إجراؤها في2 مارس القادم، وبعد ذلك تأتي رأس السنة الإيرانية. هل يستطيع البلد أن ينجو من هذه المرحلة التي تزداد صعوبة من أزمته السياسية والاقتصادية؟
*نقلا عن “الوطن” السعودية
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.