أصدرت سفارة الولايات المتحدة مؤخرا تحذيرا لمواطنيها بأن المظاهرات القادمة في البحرين ستتخذ كالعادة منحى عنيفا. وما ان حانت ليلة الثلاثاء قبل الماضي ألا وتفجر العنف بكل أشكاله. تم اختطاف رجال الشرطة وتعذيبهم ثم إلقاؤهم في الشوارع. كما حرقت سياراتهم وهوجموا بالقذائف الحديدية والمولوتوف. كل هذا وأكثر تم تصويره من قبل «المتظاهرين السلميين» أنفسهم ونشره على الصفحات الإلكترونية لقوى المعارضة المزعومة كاستجابة لمنظر الحركة الملا عيسى قاسم الذي نادى بسحق رجال الأمن.
في تحذيرها لمواطنيها أوضحت السفارة ان العنف لن يكون موجها ضدهم، ولكن الاختناقات المرورية الناتجة وما يترتب عليها من إخلال في حركة التنقل تكفي لحثهم ؟ أي المواطنين ؟ على نقل إقامتهم إلى مواقع أخرى. يتساءل المرء أي مواقع جديدة هذه؟ بالتأكيد لن تكون في القرى التي يرتكب فيها العنف من قبل أشخاص تولت وسائل الإعلام والمؤسسات الغربية الثناء عليهم ومساندتهم وتشجيعهم بل اصباغ الشرعية عليهم.
لماذا اعترفت السفارة الأمريكية فجأة بأن «المتظاهرين السلميين» هم في الواقع منفذو أعمال العنف؟ هل كان من الصعب عليها الاعتراف بهذا في السنة الفائتة؟ أم هل يقصد بهذا الاعتراف إضفاء الشرعية على العنف القائم بوصفه أمرا حتميا وشرا لابد منه؟
اسألوا أي بحريني وسيقول لكم إن مرتكبي العنف هم الأشخاص أنفسهم الذين يرتكبونه دائما، هم الأشخاص أنفسهم الذين تقوم المنظمات الدولية المدنية بالضغط على الحكومة للإفراج عنهم في كل مرة. هم الأشخاص أنفسهم الذين تتهافت قناة «البي بي سي» البريطانية لمقابلتهم. الأشخاص أنفسهم الذين تهرع قناة الجزيرة «الإنجليزية» لبث تصريحاتهم كما لو كانت حقائق. هم أنفسهم الذين فازت مراسلة «سكاي نيوز» البريطانية بجائزة من ملكة بريطانيا شخصيا لجهودها في تغطية القصة من وجهة نظرهم. وهم الأشخاص أنفسهم الذين نادى الرئيس الأمريكي من منبره في الأمم المتحدة مطالبا القيادة البحرينية بفرضهم كجزء من الحكومة.
الجميع يعلم أن عملاء إيران يقومون بالضغط على البحرين كنوع من المقايضة للتخفيف على حلفاء إيران في سوريا. للأسف ليست إيران وحدها التي تتوق إلى نقل ساحة الصراع من سوريا إلى البحرين. أمريكا تفضل مواجهة إيران في البحرين بعيدا عن حدود حليفتها إسرائيل. الاتحاد الأوروبي يود أن يدفع بالصراع بعيدا عن بوابة المتوسط، وروسيا تحاول الحفاظ على آخر حليف لها في المنطقة، وهكذا فجأة وجدت البحرين نفسها ضحية لأعدائها وأصدقائها على السواء.
للأسف ان تاريخ القوى العظمى في الحرب الباردة يبين أن ألعابا سياسية من هذا النوع من الممكن أن تستمر عشرات السنين، وفي حين كانت هذه الألعاب في صورة سباق في التسلح النووي في أوروبا فإن الشرق الأوسط بموروثاته يجعله عرضة للعبة من نوع آخر. فبدلا من لعبة الشطرنج بالأسلحة النووية في أوروبا يتعرض سكان المنطقة للعبة مميتة تعتمد على المقامرة بالأسلحة الخفيفة حتى الموت.
في كل دولة وعد الغرب بتحريرها تم في الواقع إطلاق يد أزلام الحركات المتطرفة، القاعدة، حزب الله، فيالق القدس وغيرها، كلها تم إعادة تعليبها وطرحها كحركات شرعية ترك لها العنان. وسط هتافات الجماهير الغربية بضرورة تحويل دول المنطقة إلى الديمقراطية، بدا جليا أن العنف هو القادم وان المنظمات العالمية ستمهد الطريق لدخول خيالة «سفر القيامة» ليعيثوا قتلا وموتا في تلك البلاد. فجأة لم تعد أفغانستان غلطة ولا العراق ولا الصومال سوء حسابات. بل أصبح كل هذه البلايا جزءا من مخطط عنصري يرفض أن يعترف بآدمية الآخرين الذين لا يقيمون في الغرب.
في ضوء ما سبق يرى البعض أن حث السفارة الأمريكية مواطنيها بالانتقال إلى أماكن أخرى هو إشارة إلى المعارضة لتصعيد العنف بإخلاء الطريق. آخرون يرون فيه هدفا أخبث وإشارة إلى الشروع في العمل على تقسيم البحرين جغرافيا على أسس طائفية. وحتى الذين لايزالون يرون الغرب حليفا فإنهم ينظرون إلى أن مثل هذا الإعلان يشكل ضغطا غير مرغوب فيه على الحكومة في محاولاتها احتواء العنف عن طريق إرسال رسائل خاطئة للمعارضة.
نحن في منعطف تاريخي في مملكة البحرين وعلى البحرينيين أن يدركوا أنه مهما كانت حسابات القوى الكبرى للمنطقة فإنهم في النهاية بشر ولابد لهم من تعديل ومراجعة مخططاتهم إذا اصطدمت بالواقع على الأرض. أصبح الأمر عائدا إلينا كأمة ألا نجعل من أنفسنا ألعوبة في يد إيران. لقد أظهر رجال الأمن درجة مذهلة من ضبط النفس في مواجهة كراهية رعناء. كما أظهر الملك والحكومة من احترام الذات والتأني ما يبعث على الإعجاب في مواجهة استفزازات غير مسبوقة من قوى الداخل والخارج. وعلى البحرينيين أن يبينوا الآن أن لديهم هذا القدر نفسه من المزايا بأن يدركوا أنهم يجب أن يقبلوا بالعدل، وان التفاوض ليس ضعفا. وإننا إذا أردنا أن ننقذ أعز ما لدينا، وطننا البحرين فلابد من أن يكون هناك ثمن، فليس هناك صراع من دون ثمن، وبالرغم من أن هذا الصراع فرض علينا وليس منا فعلينا أن ننظر حولنا لندرك أن قادتنا قاموا بالعمل الصحيح. هناك كثيرون في الخارج غاضبون لأننا خرجنا بأقل الخسائر. هناك الكثيرون يريدون أن تكون البحرين «برلين» أخرى. في يدنا أن نمنع مخططاتهم. المقاومة السلمية التي يقوم بها غالبية شعب البحرين في وجه التحركات الإرهابية للمعارضة المزعومة أتت ثمارها فيما مضى. دعونا نكمل ما بدأناه لعل أبواب بلدنا الطيبة تظل مقفلة على الدوام في وجه أدعياء السوء.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.