مرة أخرى..سورية في مجلس الأمن الدولي * فـــؤاد دبـــور
يعتبر مجلس الأمن الدولي من أهم أجهزة الأمم المتحدة نظرا للدور الذي يقوم به ولما يختص به من صلاحيات تتعلق بالحفاظ على السلام والأمن الدوليين حيث يقوم بالتحقيق في أي نزاع أو موقف يؤدي إلى نزاعات دولية، كما يقوم بحل هذه النزاعات بالطرق السلمية وبخاصة تلك التي تهدد السلم العالمي، ويتألف المجلس من خمسة أعضاء دائمين يمثلون الدول الكبرى وتتمتع هذه الدول بحق الاعتراض “الفيتو” وهي الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الروسي، الصين، فرنسا، بريطانيا، وعشرة أعضاء غير دائمين تنتخبهم دول الجمعية العمومية لمدة سنتين. بمعنى أن مجلس الأمن الدولي قد جاء أصلا ليكون عاملا مساعدا على تحقيق السلم والأمن في العالم. لكن ما شهده العالم وبخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أن هذا المجلس قد ذهب بعيدا عن العمل من اجل السلم حيث تجاوز صلاحياته التي نص عليها ميثاقه عبر خضوعه لهيمنة القطب الأقوى في هذا العالم ممثلا بالولايات المتحدة الأمريكية والتي جيرته أداة لتحقيق مصالحها عبر فرض قرارات تخدم سياساتها ومشاريعها وقرارات أخرى تخدم مصالح الكيان الصهيوني وتحول دون أي قرار يدين ممارسات هذا الكيان العدوانية وذلك كله على حساب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول أوروبية استعمارية استخدام مجلس الأمن الدولي ضد سورية باعتبارها دولة خارجة على الطاعة الأمريكية حيث تقوم هذه الدولة بمواجهة المشاريع والمخططات الأمريكية – الصهيونية في المنطقة وتتمسك بثوابتها الوطنية والقومية وتقدم الدعم اللازم للمقاومة ضد الاحتلال الأمريكي للعراق والاحتلال الصهيوني لفلسطين العربية وأراض عربية أخرى. ولكن روسيا، والصين قد أفشلت هذا التوجه الأمريكي الغربي الاستعماري، فانتقلت القضية السورية إلى جامعة الدول العربية لتقوم بالدور نفسه الذي قامت به عندما اتخذت قرارا شكل مرتكزا لمجلس الأمن الدولي لاتخاذ القرار 1973 الخاص بالعدوان الأطلسي على ليبيا والذي أسفر عن تدمير هذا القطر العربي وإسقاط نظامه القائم وقتل أكثر من مئة ألف مواطن عربي ونهب ثرواته النفطية ووضعه في حالة من الفوضى والاقتتال بين الفئات التي تعاونت مع قوات الأطلسي.
وبالعودة إلى سورية فإن جامعة الدول العربية قد مارست دورا ظاهره عربي وباطنه العودة إلى مجلس الأمن الدولي للمطالبة باستدعاء الأجنبي للتدخل في دولة عربية عضو مؤسس في هذه الجامعة وهذا ما كان لان بعض دول الجامعة قد أثبتت انها لا تجيد سوى التبعية والأحقاد على قطر عربي يتمسك بقراره السيادي المستقل ويدافع عن الأمة العربية امام الأطماع الصهيونية والامبريالية في الأرض والثروات العربية. نعم ، ذهب هؤلاء من اجل أن يضعوا الإنسان العربي المخلص والتاريخ العربي والمعتقدات والقيم تحت تصرف الامبريالية الأمريكية الشريك الاستراتيجي للعدو الصهيوني ومعها الحلفاء من الدول الغربية الاستعمارية، هؤلاء الذين يعتبرون التمسك بالموقف القومي المتمثل بمقاومة العدوان والوحدة العربية خيارا ضارا يتناقض مع دورهم ومهمتهم المنوطة بهم من قبل أعداء الأمة، كما أنهم يعتبرون وحدة الأمة كما يطرحها ويتمسك بها العرب، عبر تاريخهم النضالي المستمر لا تخدم مصالحهم الأنانية الضيقة رغم انها تخدم الشعب العربي في اقطارهم. كما يسهم هؤلاء في العمل من اجل إخراج الأرض العربية المحتلة في فلسطين من الجغرافيا العربية حيث يعتبرون أن العدو الصهيوني الذي يحتل الأرض ويشرد أصحابها العرب لا يشكل خطرا على الأمة ويجب أن يتوقف العداء له. بل الأكثر غرابة في سلوك هذا البعض قيامهم بدعم المشاريع والحملات والحروب الأمريكية والصهيونية ضد أقطار عربية حيث شاهدنا كيف تم فتح الأرض امام قواعد عسكرية لهؤلاء الأعداء، تلك القواعد التي انطلقت منها قوات العدو وأدواته العسكرية لتحتل العراق في شهر آذار من عام 2003م وتقديم الدعم اللوجستي العسكري للعدو الصهيوني الذي شن حربا مدمرة على لبنان في تموز عام 2006 واتبعها بحرب دموية تدميرية قذرة على قطاع غزة في أواخر عام 2008م ونحن هنا لا نتجنى أو نظلم لان الجميع قد شاهد انطلاق الطائرات الأمريكية لقصف العراق من قواعدها الموجودة في قطر عربي، مثلما شاهدوا الجيش الأمريكي وهو يزحف بدباباته لاحتلال العراق من ارض قطر عربي آخر، اما فيما يتعلق بالحرب العدوانية على لبنان وقطاع غزة فقد كانت القواعد العسكرية الأمريكية ومخازن الذخائر والعتاد فيها رافدا أساسيا في دعم العدو الصهيوني في هذه الحروب العدوانية .
أن هؤلاء الذين يدعون زورا وبهتانا الحرص على سورية وشعبها إنما يمارسون بأعمالهم وسياساتهم العداء الحقيقي لهذا الشعب وبالتالي الأضرار بالأمة العربية لان من يستدعي العدو الأمريكي والغربي والصهيوني لإلحاق أعمال الدمار والقتل ضد قطر عربي ذنبه الوحيد التمسك بعروبته وهويته القومية والدفاع عن مصالح الأمة هو شريك أساسي في الجريمة التي تلحق بهذا القطر، كيف لا، وقد اعتمد هؤلاء نظرية التوسل إلى الأجنبي والاستقواء به ضد عرب آخرين؟ كيف لا، وهؤلاء يعتبرون الولايات المتحدة الأمريكية قوة تحرير وليس قوة احتلال وقتل واستعمار وقوة لتأمين وحماية للكيان الصهيوني الذي يغتصب الأرض العربية ويهود مدينة القدس المقدسة عند المسلمين والمسيحيين؟ ثم كيف لا، وقد سلط هؤلاء قنوات فضائية لتشن حربا إعلامية بشعة ضد سورية قائمة على التشويه وتزوير الوقائع والتحريض على تدمير المؤسسات السورية وقتل الآلاف من مدنيين وعسكريين سوريين؟
مرة أخرى كانت كل من روسيا والصين بالمرصاد للسياسات المعادية لسورية، حيث اتخذت الدولتان العظيمتان ومن خلال فهمهما لحقيقة ما يجري في سورية وحقيقة استهدافها من قبل الدول الغربية وبعض أدواتها من الدول العربية حق الاعتراض “الفيتو” لحماية سورية الذي يشكل أمنها صمام آمان لأمن المنطقة كلها إضافة إلى ان للدولتين مصالح حيوية هامة في هذه المنطقة لذلك تعمل الدولتان على عدم وقوعها بالكامل تحت الهيمنة والسيطرة الأمريكية الاستعمارية.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.