العلاقات بين الولايات المتحدة الامريكية ومصر تواجه ازمة حقيقية فشلت كل المحاولات والاتصالات الرسمية الامريكية في تطويقها حتى الآن، ولا يلوح اي مؤشر في الافق يوحي بغير ذلك، ومن غير المستبعد ان تتطور الامور نحو الاسوأ في الاسابيع او الاشهر القليلة المقبلة.
الازمة في تقديرنا اعمق من ان تحصر في قضية المنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلا ماليا امريكيا، فهذه المسألة هي قمة جبل الجليد الذي يخفي احتقانا بدأ ينمو مع بداية انطلاق شرارة الثورة المصرية، ووصل الى درجة الانفجار بالاطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك.
الولايات المتحدة الامريكية لم تكن ابدا مع نجاح الثورة المصرية، وتطور الاوضاع بالصورة التي هي عليها الآن، وهي لم تكن راضية ابدا عن دور المؤسسة العسكرية المصرية التي انحازت الى الشعب المصري ومطالبه المشروعة في التغيير، واجبرت الرئيس مبارك على التنحي وتسليم السلطة الى المجلس الاعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي.
توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الاسبق وفيلسوف او منظر السياسة الاستعمارية الغربية الجديدة، لخص موقف الولايات المتحدة والعالم الغربي من الثورات العربية بقوله ان اي تغيير تؤدي اليه يجب ان يكون متحكما به ومنضبطا وفق المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الغربية، وكان يقول ذلك وعينه على مصر المحور الاساسي للسياسة الخارجية الامريكية في منطقة الشرق الاوسط.
الاستراتيجية الغربية في المنطقة تقوم على عمودين اساسيين: اسرائيل قوية وتدفق النفط رخيصا، وقد لعب نظام الرئيس حسني مبارك دورا كبيرا في تعزيز هذه الاستراتيجية من خلال المشاركة والدعم لكل حروب امريكا في احتلال العراق والخليج (تحرير الكويت) والحرب على الارهاب في افغانستان، والحفاظ على اتفاقات كامب ديفيد وما تفرضه من تطبيع سياسي، وحماية للحدود الاسرائيلية في سيناء خصوصا.
الادارة الامريكية تريد من المجلس العسكري ان يستمر في اداء الدور نفسه من خلال تكريس اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات السابق كخليفة للرئيس مبارك، ولكن المجلس حاول وفشل، واضطر للرضوخ للارادة الشعبية الرافضة للواء سليمان الذي يجسد امتدادا لنظام مبارك المكروه.
السلاح القوي في يد امريكا هو المساعدات العسكرية التي تقدم للجيش المصري ومقدارها مليار ومئتا مليون دولار سنويا ومن المتوقع ان تتوقف هذه المساعدات في حال استمرار التأزم في العلاقات بين البلدين. وسمعنا اصواتا عديدة في الكونغرس الامريكي الذي يهيمن عليه انصار اسرائيل تطالب بذلك بالحاح.
المجلس العسكري المصري يتبنى لهجة تتسم بالكثير من التحدي، فقد اعلن على لسان متحدثين باسمه انه لن يركع للضغوط الامريكية بقطع المساعدات العسكرية، وسيستمر قدما في محاكمته لبعض منظمات المجتمع المدني الممولة امريكيا، وعزز تهديداته هذه بالكشف عن وثيقة لدى احدى هذه المنظمات تتحدث عن تقسيم مصر الى اربع دول علاوة على خرائط تحدد مواقع الكنائس والثكنات العسكرية.
مصر يجب ان لا تركع للضغوط الامريكية فعلا، ووقف المساعدات العسكرية قد يكون مفيدا لها لانه يحررها من هذا العبء الثقيل، ويعيد اليها سيادتها وقرارها المستقل، ودورها الريادي في المنطقة والعالم بعيدا عن الوصاية الامريكية.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.