الحرب الدبلوماسية والاعلامية وكذلك الأمنية التي تسوقها الولايات المتحدة هذه الأيام بشكل عنيف ضد سورية, ليست وليدة لحظتها ولا نتيجة تغييرات مفاجئة يشهدها الاقليم, انما هي نتيجة خطط موضوعة منذ عشرات السنين, خطط مرتبطة بصيغتها النهائية وفي نتائجها العامة بالخطة الاستراتيجية الامريكية التي اعتبرت دمشق منذ عام 2003 جائزة سقوط بغداد, تليها طهران ثم القاهرة ثم طرابلس, وهي الأهداف ذاتها التي كانت مرسومة ضمن خطة أمريكية عامة أطلق عليها “خطة القرن الأمريكي الجديد” والتي استعرضت تفاصيلها بشكل دقيق في كتابي “امبراطورية الأكاذيب: مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11 أيلول”.
في عام 1991 اجتمعت لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي وأقرت ما كان يعرف ب¯” خطة القرن الأمريكي 2000-2020″, وفي مثل هذا اليوم عام 1997 طرأ تطوير على هذه الخطة حيث أخضعها عدد من راسمي الخطط والاستراتيجيات للمراجعة, وجرى خلال المراجعة تحديد الدول والمواقع التي ستنطبق عليها هذه الاستراتيجيات, ضمن ما عرف آنذاك ب¯ “المثلثات الاستراتيجية المستهدفة التي تؤمن المصالح الأمريكية…” بمعنى أن تغدو منطقة الشرق الأوسط مسرحا للعمليات العسكرية التي ينفذ من خلالها استراتيجية القرن العشرين.
ولم تكد الحرب الامريكية على العراق تنتهي حتى بدأت آلة التصريحات الأمريكية ضد سورية بالتصعيد, وجرى في تلك الآونة استرجاع الخطط الأمريكية السابقة ضد سورية, والتي كان أبرزها الدراسة التي أعدها ريتشارد بيرل, ولقبه أمير الظلام, حيث أعد دراسة عندما كان خبيرا في معهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية العليا تحت عنوان” تغير واضح: سياسة جديدة لحماية الأهم”والأهم هنا بالطبع اسرائيل, وكان من أبرز التوصيات العريضة التي تضمنها التقرير, خلق مشاكل لسورية من خلال استعمال وتوظيف العناصر المناوئة والمعارضة للنظام. هذا ما جاء حرفيا في التقرير المذكور.
الاستهداف العسكري للولايات المتحدة ضد سورية بعد سقوط العراق, جرى تعطيله واح باطه في مهده وتنامي المعارضة العراقية المسلحة ضد الاحتلال الأمريكي, جراء هذا التحول تبدلت المخططات والمشاريع الأمريكية ضد سورية تحديدا, وانحصر الجهد من خلال التصعيد الدبلوماسي والاعلامي وتحفيز اسرائيل على التحرش بدمشق من خلال عمليات عدائية استفزازية, بلغت ذروتها آنذاك في الهجوم الذي شنته الطائرات الاسرائيلية عام 2003 لمنطقة عين الصاحب في ضواحي دمشق, وبعد عشرة أيام من الغارة الاسرائيلية تبنى مجلس النواب الامريكي بأغلبية ساحقة مشروع قانون أطلق عليه شعار”قانون محاسبة سورية وسيادة لبنان”.
ولا زالت سورية بكل المعايير السياسية في بؤرة أنظار العقل الأمريكي وفي عين اعصار مخططات هذا العقل الاستعماري, ولا زال الاستهداف قائما, حتى تتحقق الاستجابة السورية لما يعرض على دمشق من خطط لترتيب الأوضاع في المنطقة بما يتلاءم مع المصالح الأمريكية والتطلعات الاسرائيلية.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.