Bitter Harvests and American Threats to Cut Aid

<--

في مارس من العام‏2008‏ كانت تجربتي الوحيدة للمعايشة عن قرب لمثل هذه المؤتمرات التي تنظمها المراكز الحقوقية الدولية لنشر ما أصطلح علي تسميته ثقافة الديمقراطية‏

 الورشة كانت في مدينة شرم الشيخ تحت عنوان ملتقي الاستثمار في المستقبل بتنظيم من مركز حماية وحرية الصحفيين وهي منظمة خاصة انشئت في الاردن لدعم مهارات العمل الصحفي في المنطقة العربية وفق المعايير الدولية بالتعاون مع مؤسسة الصوت الحر الهولندية والتي تتلقي الأموال اللازمة لبرامجها من وزارة الخارجية الهولندية.. ومن خلال منظمات المجتمع المدني نجحت هذه المؤسسة في الوصول الي برنامج لتمويل الانشطة الخاصة بتدريب الصحفيين العرب بدأ في بداية عام2004.
وطوال يومين استغرقتهما هذه الورشة, حرصت علي متابعة الأهداف الحقيقية التي تجعل دولة مثل هولندا تولي كل هذا الاهتمام بقضايا الديمقراطية وتدريب الصحفيين في6 دول عربية من بينها مصر.. ولم استطع في خاتمة التقرير الذي نشرته بالأهرام يوم23 مارس2008 اخفاء ظنوني وهواجسي حيث قلت بالنص: ان الحساسية الفائقة سوف تظل هي سيدة الموقف عندما يأتي تمويل ما من دول اوروبية لبرامج محددة تهدف الي احداث تغييرات جذرية في بنية المجتمعات العربية.
وتابعت: ان هذا الملتقي الاعلامي يستهدف ايجاد منظومة لتدريب الصحفيين العرب علي المعايير نفسها التي تحكم العمل الصحفي والاعلامي في الغرب بغض النظر عن اختلاف البيئة والثقافة والجذور التاريخية للتطور المجتمعي والاقتصادي والسياسي هنا وهناك.. وقلت: لا احد يستطيع ان ينكر ان التدريب اصبح مطلبا ملحا لاعادة صقل الصحفيين العرب علي الصورة التي تمكنهم من انتشال صحفهم من الحال المتدهور الذي وصلت اليه.. ولا احد ينكر ان التدريب بأسلوب علمي يتطلب امكانات مادية باهظة قد لا تقدر عليها معظم مؤسساتنا الصحفية, فضلا عن الحكومات الغارقة في مشاكلها.. ولكن الحساسية كما قلت تظل سيدة الموقف عندما تكتشف ان التمويل يأتي من الحكومة الهولندية عبر منظمة هولندية اخري تدعي انها منظمة مستقلة وغير حكومية.. ويظل السؤال حائرا: ماهي مصلحتهم في ذلك ؟!.. ولماذا الاستعجال للقفز الي نتائج محددة من دون المرور بالمراحل نفسها التي مرت بها تجاربهم الانسانية ؟!.
>> والآن ونحن في عنفوان أزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب التمويل الأمريكي الفج لعدد كبير من المنظمات الحقوقية المصرية والأجنبية التي تعمل في مصر بدون ترخيص, لا استطيع أن اضيف سوي أننا قد بدأنا مرحلة الحصاد المر لكل هذا الضعف والهوان الذي كان عليه النظام السابق في التعامل مع هذا الملف الشائك ومع تلك البرامج التدريبية سواء الأمريكية أو الأوروبية التي عملت في طول البلاد وعرضها علي مدي سنوات طويلة دون ضابط أو رابط.
وعلي كثرة ردود الفعل الأمريكية الغاضبة من موقف الدولة المصرية ومؤسسة القضاء بعد ثورة يناير تجاه هذه المنظمات التي اخترقت حاجز الأمن القومي المصري والمنظمات المصرية التي عملت معها بكل الأسف مقابل الملايين من الدولارات, لم نسمع عن أي نفي أمريكي للحقائق التي اعلنها قضاة التحقيق حول خرائط تقسيم مصر التي تم العثور عليها.. غاية ما جاءنا من ردود الفعل الأمريكية هي تلك التهديدات بقطع المعونة العسكرية والاقتصادية علي النحو الذي وصفته في مقال الاسبوع الماضي بوقوع واشنطن في الخطأ نفسه مع الثورتين المصريتين في يوليو1952 ويناير2011 وهو محاولات متغطرسة للاحتواء دون محاولة فهم وتفهم حقيقة مشاعر ورغبات المصريين في العيش الحر الكريم بعيدا عن أي وصاية سواء من نظام ديكتاتوري فاسد في الداخل أو انظمة استعمارية في الخارج تريد فقط بسط الهيمنة والسيطرة لمصالحها الخاصة ومن أجل الصهيونية العالمية.
وبهذه المناسبة فان التهديد الأمريكي سواء من الكونجرس أو ادارة البيت الأبيض عن قطع المعونة هو تهديد مرحب به من قبل جموع الشعب المصري.. وفي حال تنفيذه سوف يعفي السلطات المصرية من حرج اتخاذ مثل هذا القرار الذي تظنه واشنطن أنه سيضر بالأحوال الاقتصادية والعسكرية المصرية في حين أن الأمر الواقع وملفات هذه المعونة علي مدي السنوات الماضية تؤكد ان الضرر الوحيد سيكون من نصيب الولايات المتحدة ومكانتها في الاقليم وفقدانها لصداقة وثقة مصر أهم بلدان المنطقة.. ولا أظن أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية عاجزة عن فهم واستيعاب أن قرارا من هذا النوع سوف يلهب ويؤجج المشاعر الوطنية المصرية ويعيدها الي العصر الذهبي للارادة المصرية الحرة..
>> أهلا وسهلا بقطع المعونة الأمريكية اذا كان استمرارها يعني ضياع المكانة الاقليمية لمصر واهانة الكرامة المصرية وهدم أسس الدولة القوية المحترمة التي اشعت بنورها علي كل حركات الاستقلال في العالم الثالث.. أهلا وسهلا بقطع المعونة اذا كان ذلك سيتيح للروح المصرية أن تصحو من سباتها لتشارك بفاعلية في السباق الي البناء الحر المحترم لدولة الديمقراطية التي نريدها نحن لا تلك التي تريدها واشنطن بالمقاس علي مزاجها الخاص ولمصلحة المدللة اسرائيل التي ستكون يوما ما سببا مباشرا في دمار العالم.
>> ولابد ان يفهم الأمريكان ان المصريين علي المستوي الرسمي والشعبي لديهم الرغبة الأكيدة في كل التعايش والتعاون الوثيق مع الولايات المتحدة باعتبارها القوة الأعظم في العالم.. ولكن من منطلق اعتراف أمريكي صريح بأننا ايضا القوة الأعظم في المنطقة والأقليم ولنا ايضا مصالحنا وضرورات أمننا القومي.. هل يفهمون ؟!.

About this publication