لم نستغرب أبدا استغلال البعض لما قيل عن نقاش الإخوان الداخلي بخصوص الموقف من الحوار مع الولايات المتحدة في سياق حرب التشويه التي يشنونها ضد القوى الإسلامية، بخاصة بعد الثورة السورية وموقف تلك القوى المنحاز للشعب السوري، فضلا عن تقدمها اللافت في الانتخابات التي أجريت بعد الربيع العربي (لم يتغير الموقف إلى الآن).
لم نستغرب ذلك لأن من تصل به الحال حد نسبة الثورات العربية النابعة من ضمير الشعوب إلى تآمر “أمريكي صهيوني” في الغرف المغلقة، لا يمكن أن يتورع عن تشويه أية جماعة إسلامية أو الحديث عن تآمرها مع الولايات المتحدة والغرب.
والحال أن موقف إخوان الأردن من الحوار مع الغرب هو محض موقف سياسي قابل للتغيير جاء بعد احتلال العراق، مع قناعة كاتب هذه السطور بأن أي حوار مع الغرب لن يؤدي إلى نتيجة تذكر لجهة تغيير المواقف، اللهم إذا خلع الإسلاميون ثوابتهم، فيما نعلم أن الغرب بغرور القوة الذي يتلبسه لم يغادر يوما مربع القناعة بإمكانية تنازل الحركات الثورية والأيديولوجية عن ثوابتها في ميادين السياسة.
أيا يكن الأمر، فإن الحوار من حيث أتى ليس مشكلة حتى مع العدو، باستثناء الصهيوني الذي يحتل الأرض وينتهك المقدسات، مع أن كثيرين يحاورونه ليل نهار، ولم نقل عنهم إنهم خونة، ليس لأن الخيانة قد تحولت إلى وجهة نظر (يحدث شيء من ذلك في بعض الأحيان)، بل لأننا ندرك أن كثيرا منهم (على تباين كبير بينهم) مجتهدون يعتقدون أن ذلك هو حدود الممكن في الواقع السياسي القائم.
والحال أن الغرب هو الذي غير موقفه من الحوار، وليس الإسلاميون فقط، فبينما كانت لعبة الحوار محصورة في السابق في سياق مسؤولين سابقين ومراكز أبحاث وعناصر مخابرات يلبسون ثياب صحفيين وباحثين، ولا هدف لها غير الاستدراج والتدجين، فإنها اليوم تأخذ طابعا سياسيا معلنا، وعلى أعلى المستويات في بعض الأحيان، وهو موقف سياسي انتهازي أملته الثورات العربية التي فاجأت الغرب وحشرته في زاوية ضيقة بين التناقض مع قيمه علانية، وبين التعامل مع الواقع ومحاولة حرفه عن مساره لكي يصب في صالحهم، وأقله لكي لا يذهب في الاتجاه المعاكس.
من يعتقد أن أية صيغة سياسية تمليها الثورات العربية ستكون أفضل للغرب من الأنظمة السابقة لا يمكن أن يفكر بعقل متوازن، ليس فقط لأنه يشكك في قوى نابعة من ضمير الشعوب، ولكن لأنه يتعامل مع الثورات العربية بروحية الانقلابات العسكرية التي تمنح الضباط الجدد حق حرف مسارات الدول نحو الوجهة التي يريدون، الأمر الذي يبدو عبثيا، لأن من ثار في وجه أنظمة مدججة بالقوة الأمنية وتحظى بدعم الغرب يمكنه أن يكرر ذلك في وجه بدائلها إذا لم تنسجم مع قناعاته وروحه وضميره.
يتجاهل بائعو بضاعة التشكيك والعمالة أن القوى الإسلامية، وفي مقدمتها الإخوان لم تكن على وفاق لا مع الدول التي توصف بالرجعية، ولا مع تلك التي تدعي التقدمية، إذ تعرضت للاضطهاد من قبل الطرفين، على تفاوت في درجات الاضطهاد أملتها الحاجة وليس العلاقة الودية، إذ ليس ثمة نظام في العالم الثالث يمنح معارضته إلا بقدر ما تنتزعه بيدها وأسنانها وما تمليه معادلاته الداخلية التي لا عنوان لها غير الإبقاء على سيطرة نخبته الحاكمة على السلطة والثروة.
من يتابع مسلسل التصريحات الأخيرة ضد جماعة الإخوان (هي بحسب أحدهم أخطر من إيران) يدرك عبثية القائلين بالتحالف بين الإسلاميين والغرب، لاسيما حين تصدر تلك التصريحات من لدن أنظمة طاعنة في التحالف مع الغرب والحفاظ على مصالحه، بل منحه من الصفقات ما يفوق الخيال.
كل ذلك لا ينبغي أن يلفت الانتباه (إسلاميا وإخوانيا) عن حقيقة المشهد الجديد المتمثل في الصحوة الشعبية، والتي لا يمكن أن تمرر التناقض بين الشعار والممارسة، أكان في السياق الداخلي، أم في السياق المتعلق بقضايا الأمة، ولا أظنهم غافلين عن هذه الحقيقة، ما يعني أن أي حوار ينبغي أن يتم في وضح النهار وأمام الملأ، وعلى قاعدة الحفاظ على مصالح الشعوب وقضايا الأمة بشكل عام
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.