Egypt, America and a Crisis Between Allies

<--

الأزمة الأخيرة بين أميركا والمجلس العسكري المصري جسدت سياسة التلويح بعصا قطع المساعدات الأميركية عن مصر، التي تمارسها أميركا مرارا وتكرارا كلما أبدت الدولة المصرية تصرفا لا يرقى إلى مستوى أمزجة السياسيين وأعضاء الكونغرس في الولايات المتحدة.

مصر دفعت ثمنا كبيرا من أجل الوصول إلى هذه المساعدات التي جاءت بعد اتفاقية السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل عام 1979 التي جعلت مصر أول دولة عربية تقيم سلاما مع إسرائيل، كما جعلت من مصر أكبر متلقٍّ للمساعدات الأميركية. ويرى البعض أن هذه المساعدات أصبحت بمثابة مصدر نفوذ أميركي في المجتمع المصري.

ويمكننا القول بأنه في الوقت الذي ينظر فيه الشعب المصري إلى حاجته لهذه المساعدات، تنظر أميركا أيضا إلى حاجتها لهذا النفوذ، خاصة في ظل التحولات السياسية الكبيرة وتغيير النظام المصري الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، وفي ظل فوز الإسلاميين الذين يعدون أكثر الأطراف رفضا لاتفاقية السلام المبرمة مع إسرائيل، حسب سياستهم المعلنة.

المساعدات الأميركية لمصر أصبحت مهددة اليوم بسبب تحقيق مصري بشأن منظمات غير حكومية أدى إلى توجيه اتهامات إلى 43 ناشطا على الأقل منهم 19 أميركيا، لنشهد أكبر أزمة في العلاقات بين مصر وأميركا ستكون لها تداعيات متعددة لن تتوقف عند إيقاف المساعدات عن مصر فحسب؛ بل ستتجه صوب إعادة النظر في اتفاقية السلام مع إسرائيل التي كانت المساعدات الأميركية أحد الالتزامات التي تعهدت بها أميركا ثمنا لاستمرارها واستمرار السلام بين البلدين، وإيقافها سيكون بمثابة نقض أحد بنود الاتفاقية، مما سيعطي المبررات للأحزاب الإسلامية في مصر لإعادة النظر في تلك الاتفاقية.

من هنا، جاءت تصريحات السيد عصام العريان، وهو نائب رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان الذي يمثل أكبر كتلة في البرلمان المنتخب حديثا، حيث قال: «المعونة كانت أحد التزامات الأطراف التي وقعت اتفاقية السلام؛ فإذا تم الإخلال من طرف، فهو يبيح حق مراجعة الاتفاقية من جانب الأطراف الأخرى».

وجدير بالذكر أن الأزمة أكبر من كونها شكوكا بتلقي منظمات حقوقية ومدنية دعما خارجيا؛ حيث يعتقد البعض أنها أزمة سياسية مفتعلة يقوم بها المجلس العسكري الغرض منها شغل الرأي العام بملفات خارجية للتغطية على سوء إدارة الملفات الداخلية منذ 11 فبراير (شباط) 2011، حيث شهدت هذه الفترة العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان دفع ثمنها الكثير من أبناء الشعب المصري دون أن تتم محاسبة الجناة.

من جهة أخرى، ومن خلال قراءة ثانية لهذه الأزمة، نجد أن المجلس العسكري يمارس من خلال هذه الأزمة ضغوطا ضد أميركا باتجاه تخفيف الضغط الأميركي على المجلس المتمثل في المطالبة بالتسريع في قضية إفساح المجلس المجال لانتخاب رئيس مدني بحلول نهاية يونيو (حزيران) المقبل وتسليم السلطة للمدنيين وإنهاء حكم العسكر.

إلا أن القاهرة على الرغم من ذلك، فإنه لا يمكنها أن تتخذ قرارا مفصليا بإدارة ظهرها لواشنطن.

من هنا، يجب على مصر أن تحاول إيجاد حليف اقتصادي استراتيجي بديل لأميركا، وربما عليها التوجه صوب آسيا، ونقصد هنا اليابان والصين بوصفهما دولتين يمكن أن تعوضا الدور الأميركي في مصر بعيدا عن المساومات والضغوطات.

في كل الأحوال، لن يكون الخاسر الأكبر في هذه الأزمة مصر أو أميركا؛ بل منظمات حقوق الإنسان والمؤسسات المدنية التي اكتشف المجلس و«الإخوان» أنهما لم يعودا بحاجة لعملها في ظل وجودهم المضمون في السلطة، وأنه من خلال توجيه الاتهامات لها بالعمالة والترويج لنظرية المؤامرة الموجودة بقوة في المنظومة الفكرية للمواطن العربي، سيتجنب المجلس والإسلاميون تأثيرات عملها ونشاطاتها في الفترة المقبلة من عمر التجربة الديمقراطية في مصر، التي يريدها البعض خالية من المطالبات بحقوق الإنسان ومفاهيم الحرية والشفافية واحترام الآخر والتعايش السلمي.

إلا إننا نريد أن نقول بأن المجتمع المدني ومنظماته، من أهم اشتراطات التحول الديمقراطي، لذلك لا بد من إصلاح النظرة العدائية لهذه المنظمات وضرورة إعطائها الفرصة الكاملة بوصفها ظاهرة جديدة وفدت على المشهد العربي، يجب أن يكون لها الدور الأكبر في نشر المفاهيم والقيم الجديدة وتثقيف المجتمع بضرورة استيعاب الديمقراطية بكل تفاصيلها لكي نتمكن من بناء مجتمع مدني يكون رقيبا على سلطة الدولة ويساعدها في عملية الإصلاح الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا ما كانت تطالب به القوى الشبابية التي قامت بالثورة.

About this publication