Ambiguity of American–Israeli Attack on Iran

<--

التصريحات الأميركية والإسرائيلية بشأن ضرب إيران، ومنعها من التقدم في برنامجها النووي، أمر محير للغاية.. في لحظات تشعر بأن الطيران الإسرائيلي فوق سماء إيران وبالتحديد فوق المنشآت النووية، وكل ما يحتاجه هو أمر عسكري من المؤسسة العسكرية الأميركية (البنتاغون) بالتنفيذ، وفي لحظات يعتقد المرء، أن الغرب نسي أو تناسى طموحات طهران النووية.
الخبرة العربية بالنيات الأميركية والإسرائيلية، تقول: إن أي ضربة عسكرية مهما كان نوعها، لا يمكن أن تدرج في الإعلام والمداولات اليومية، تبقى بسرية تامة لحين تنفيذها، ومن ثم تشكل فرق دبلوسياسية للدفاع عن هذا (الإجراء).. لأن حجة الحرب دائماً ضعيفة، وخاصة عندما يضطر المدافعون عنها لحشد أكاذيب وأضاليل كي يقنعوا الرأي العام العالمي بوجهة نظرهم.. وهذا ما لمسناه في العراق عام 2003 والأكاذيب التي تزعم أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل.. ففي سؤال وجه لتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، لماذا أيدتم الولايات المتحدة بشن هجوم على العراق قال بلير بالحرف الواحد: «سنشارك في الهجوم حتى لو لم يملك العراق أسلحة دمار شامل»!
ففي صحيفة نيويورك تايمز، كتب الجنرال الإسرائيلي السابق اموس يادلين: إنه يؤيد العمل العسكري ضد طهران، بضربة وقائية.. ولكنه يعلق الآمال على واشنطن قائلاً: إن على أوباما أن يقطع تعهداً قاطعاً بشن الهجوم، إذا لم توقف إيران أنشطتها النووية؛ لكن الهفوة الكبرى تأتي في منتصف المقال عندما حاول أن يدحض الحجة المعارضة القائلة: إن الهجوم من شأنه فقط أن يؤخر البرنامج الإيراني وربما لفترة ليست بالطويلة، فكتب يقول: بعد الهجوم على (مفاعل تموز العراقي) عام 1981، وتدمير المفاعل النووي السوري في 2007 المزعوم، لم يتم استئناف البرنامجين تماماً.
هذه الحجة في أحسن الأحوال موغلة في التضليل، وفي أسوأ الأحوال ببساطة زائفة. فلا أحد ينكر من الناحية الفنية أنه لم يتم استئناف أي من البرنامجين العراقي والسوري هذا إن صح القول إن هناك مفاعلاً سورياً بالطبع، ولكن ماذا عن الفجوة الزمنية التي بلغت 26 عاماً بين ضرب مفاعل تموز 1981 وضرب (المفاعل السوري) 2007؟ ماذا حدث خلال تلك السنوات؟ لقد أدى تدمير مفاعل تموز العراقي إلى إجماع نخبوي بأن العراق بحاجة إلى قوة ردع خاصة به، الأمر الذي أدى بالنظام العراقي إلى مضاعفة الاهتمام بالبحوث العلمية التي تحاكي جميع العلوم، والاهتمام أكثر بالعلماء وتهيئة الظروف المناسبة لهم للعمل في العراق بحوافز أعلى من التي تدفعها الدول الغربية.. وكان هذا الجهد ناجحاً لدرجة أن مفتشي الأمم المتحدة دخلوا العراق بعد حرب الخليج عام 1991 ففوجئوا بمدى اتساع البرنامج ومدى اقترابه من إنتاج قنبلة نووية، لذلك كان من أولويات الحلفاء الانقضاض على العلماء بالدرجة الأولى.
لذلك أقول: إن التاريخ الحقيقي يعطينا درساً معاكساً غير الذي يقترحه يادلين، ففي الحالة العراقية، عززت الضربة الوقائية اهتمام العراق بالحصول على رادع، ودفعت العراق إلى البحث عنه بأساليب كان من الصعب اكتشافها أو منعها.. وهذا ما ستفعله إيران على الأرجح إذا بلغت إسرائيل والولايات المتحدة من الحمق ما يجعل أياً منهما يشن هجوماً عليها. فالاستخبارات الأميركية لا تزال على يقين أن إيران لم تحسم قرارها بالتسلح، ومن سخرية القدر أن شن هجوم إسرائيلي أو أميركي هو الخطوة التي ستكون على الأرجح دافعاً للإيرانيين لاتخاذ هذا القرار.
إن بعض الإسرائيليين يودون لو أن الولايات المتحدة أخذت على عاتقها ضرب إيران، تحت حجج واهية ومزيفة ومشوهة لفعل ذلك، فإدارة بوش الصغير أدخلت الولايات المتحدة في مستنقع الحرب العراقية بالطريقة نفسها. على أنه ينبغي لمحرري نيويورك تايمز الإصرار على أن المقالات الافتتاحية مهما كانت مواقفها لا بد أن تفي بالحد الأدنى من معايير الدقة التاريخية، وعليهم أن ينقبوا في الكتابات الأكاديمية، وأن يتتبعوا ما قد نشروه.
باختصار، لو انخدع الأميركيون بهذا التحليل المشوه للتاريخ فعليهم تقع الملامة بالدرجة الأولى، وعلى (إسرائيل) التي تريد الاستفراد بعنصر القوة في المنطقة، وبدلاً من إعطاء ضمانات مؤكدة بشن حرب وقائية، يجب التذكير بأن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك لا يعتقد أن إيران تشكل خطراً وجودياً، وأن رئيس الموساد السابق مائير داجان وصف ضرب إيران بأنه أغبى شيء سمع به.. فالولايات المتحدة لا تزال تحذر نتنياهو ووزير خارجيته من التسرع في الضربة.. إذاً هناك من الإشكالية في هذه المسألة التي تحتاج للتفكير العميق للبحث عن أسبابها وربما المتغيرات الدراماتيكية التي تجتاح الوطن العربي، تكون سبباً لها.

About this publication