American-Iranian Enmity

<--

العداء الأمريكي – الإيراني آخر تحديث:الثلاثاء ,20/03/2012

نسيم الخوري

فيما تتّجه مجموعة الدول الست الكبرى أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا الى القيام مجدداً برحلة علك الصوف بإعلان استئنافها المفاوضات على البرنامج النووي الإيراني بعدما توقّفت منذ أكثر من عامٍ مضى، يتجاوز الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجّاد في تصريحاته المعادية ل”إسرائيل” والغرب، تخوم سجّادة الصوف التي يقعد فوقها، والتي تشهد حياكتها في تاريخ فارس مساحةً شاسعة ولافتةً من الصبر والهدأة والتعقّل . أمّا النتوءات الموسمية الحافلة بالتنجيد السريع للمواقف وبالتهديد الفاقع، فأمور تجعل القارئ والمتابع أمام ضبابية ومتاهة في نسج المواقف والتداعيات التي تتصفّى عن هذه التصريحات . ويحق لنا التساؤل: من يعلك الصوف أو يذبح الآخر أفضل بخيطان القطن الغرب أو إيران؟

طبعاً يصعب إيجاد جوابٍ قاطعٍ عن سؤال متشاطر من هذا النوع يضمر كمّاً هائلاً من التماهيات الواسعة التي يصعب تحديدها بين الغرب وإيران وملحقاتهما من البلدان في منطقة شديدة التحولات والتعقيدات . وطبعاً، ليس المقصود هنا نقل أو تحليل مضمون الخطاب الناري المتلفز للرئيس الإيراني الذي اعتبر فيه “إسرائيل كياناً ميتاً لا يتمتّع إلا بدعم زعماء أغبياء”، ومعتبراً فيه أيضاً أنّ الأمّة الإيرانية لن تأبه لمحاولات الغرب “ترهيب إيران” ولا للطائرات والسفن الحربية، ولا للخيارات المطروحة على الطاولة التي ستتعفّن هناك في مصدرها كما سيتعفّن أصحابها من ملل الانتظار .

ليست هي المرّة الأولى التي يقفز فيها الخطاب الإيراني فوق السجّادة، فلطالما شهدت العلاقات الإيرانية – الأمريكية سوءاً يعود الى إعلان الثورة الإسلامية في العام 1979 لكن إيران باتت تمثّل بالنسبة إلى الولايات المتّحدة و”إسرائيل”، تحدّيات استراتيجية أكثر جدّية بكثير من سوريا، وهما دولتان لطالما ناصرتا العداء للغرب و”إسرائيل”، ووقفتا إلى جانب حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، مع الإشارة إلى أنّ كلتيهما على عداء حقيقي مع القاعدة . ومع أنّهما تملكان أسلحةً كيمائية وربّما بيولوجية، فإنهما، أعني سوريا وإيران، تفترقان وتتمايزان في عدائهما للغرب بأكثر من أمر جوهري ولأكثر من سبب . ما هي أوجه هذا التمايز؟

الوجه الأوّل قائم في أنّ عدداً من قياديي إيران وفي مقدمهم الرئيس محمود أحمدي نجاد قد ألفوا نبرة التهديد والتصريحات الصارخة النارية عن “إسرائيل”، وحقها في الوجود والبقاء، بينما سوريا أدمنت القول بالسلام العادل والشامل والمشرّف أو ما أسمته ذات يوم “سلام الشجعان” .

لكن، لقد سبق لنجاد أن دعا الى “تكنيس “إسرائيل” من صفحات الزمن” أو دعا الى “محوها من التاريخ” وفي أكثر من مناسبة، كان يتكفّل الإعلام العالمي والغربي بترجمة هذه النبرات بالحض على التدمير الفعلي للدولة الصهيونية ومحوها من على خريطة العالم، وهذا ما كان يرسّخ قلق الإرادات والمجتمعات الدولية من حقيقة النوايا الإيرانية في هذا المجال، ويزيد من تخوّفها على “إسرائيل” التي أبقيت أو ساعدها هذا على البقاء، ولو بشكلٍ غير مقصودٍ أو مباشر، وكأنها ضرورة ملحة تقعد أبداً في الذهن الغربي وفوق لسانه . وكانت “إسرائيل” من ناحيتها تستغلّ هذه التصريحات والمواقف، وتوظّفها كرصيدٍ معنوي ومادي لها يقوّي الملاط الغربي حولها ويبقيه أبدياً في مصلحتها، ويقدّمها للرأي العام العالمي عبر المال والإعلام وكأنها “الحمل الوديع” في محيطٍ من “الذئاب المفترسة” . ويكفينا، في هذا المجال، وتحديداً في المواسم الانتخابية التي تحصل على المستوى الرئاسي في فرنسا أو في الولايات المتحدة، استعادة الخطب والتصريحات والمواقف التي تبدو فيها “إسرائيل” وبقاؤها ومصالحها ناتئة ومتقدّمة على دول العالم كلّه سواء على لسان أوباما أو ساركوزي أوغيرهما . ولا نغفل هنا، بالطبع، دور “الإيباك” واللوبي الصهيوني الممسك بشرايين القرار وأعمدة الحكم في العالم، والذي يجعلنا نشعر بأننا كعربٍ ومسلمين ضعفاء في مخاطبة العالم بلغته، وليس أبلغ منّا من مخاطبة بعضنا بعضاً بلغتنا الضاد الأم بالطبع، وبمختلف الأشكال السلبية والشتائم والسباب وأقذع النعوت والأوصاف والاتّهامات .

الوجه الثاني الذي لا تشترك فيه إيران مع سوريا قائم في الكباش الغربي الإيراني في الموضوع النووي الذي يقلق الغرب من تمكّن طهران من السلاح النووي، وخصوصاً أنها تقدّمت بخطوات ملحوظة ومعلنة في ميدان صناعة الصواريخ وتطويرها الى إيجاد منظومة من القدرات التي تسمح لها بتزويدها برؤوس نووية تهدّد بها جيرانها وفي طليعتهم “إسرائيل” . بهذا المعنى تغالي “إسرائيل” بتقديم صورة إيران للعالم بأنها تهديد وخطر على استقرارها ووجودها . صحيح أن تلك الصواريخ غير قادرة على ضرب أهداف في الأراضي الأمريكية، لكنها قادرة أن تطال القواعد الأمريكية المرابطة في الشرق الأوسط وفي أوروبا وغيرها . وإذا كان بعض الفكر السياسي الغربي، يرى في التقدّم الإيراني الحثيث في المجال النووي، نقطة إيجابية يمكن الوصول إليها . وتكمن إيجابيتها في التفكير بتحقيق توازن دولي منشود في منطقة الشرق الأوسط، كما بين إيران وباكستان، فإنّ هذا الفكر يرشح عنه بعض التحليلات التي لا تستهين بالقدرات السورية التطيرية في ميادين الصواريخ كأسلحة فعّالة تأخذ النصيب الأكبر من الاهتمام والنقاش .

الوجه الثالث وهو الأهم ويرتبط بالوجهين السابقين، يقدّم إيران كدولة إسلامية قويت في الشرق الأوسط والخليج، وتملك من الوسائل التي تجعلها موضع تهديد لهذه المنطقة الخصبة بالبترول من الكرة الأرضية . وهو ما برز بعد سقوط العراق الخصم الأساسي لطهران وتمزّقه وعجزه عن تأمين توازن ما معها، لا بل وقوعه بين ذراعي إيران الى درجةٍ جعلت المحلّلين يصرّون على أنّ إيران هي المنتصر الوحيد في الحرب على العراق خلافاً لمجموعةٍ كبرى من المنهزمين بما فيهم أمريكا المنسحبة . أمريكا ستبقى تقف في وجه هذه القوة الإيرانية المطّردة، وأية قوّة وحيدة أخرى في الشرق الأوسط، وبتناميها تتحول هذه المنطقة من العالم إلى أسواق سلاح مزدهرة تؤمن الأغطية للأنظمة القلقة من المستقبل، وهي لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي الذي يقلق “إسرائيل” ويزيد من لجاجتها في عدم استقواء إيران الذي يعني التهديد الاستراتيجي لها . وتبدو أمريكا ومعها العديد من دول الخليج على قناعة تامّة وتعاون حثيث لفرملة الطموحات والتطلّعات الإيرانية، حتّى ولو افترضنا بأن “إسرائيل” غير موجودة . تلك المعادلة الطويلة الأمد محكومة بالمدّ والجزر في الكلام المعلوك من الصوف والحرير الأمريكي والإيراني لسببٍ جوهري يبقي إيران في وجه القاعدة، ويبقي على رصيدها في تخفيف الحرارة في العراق أمس، كما في سوريا اليوم، ويرفع من رصيدها الباقي في هدوء أفغانستان . ووفقاً لهذه المعادلة المملّة، ينبعث الشرق الأقصى مجدداً في اللعبة، فيعوّض السوري عبر بكين وموسكو ما يخسره من مكامن قوة لن يصل بها الى المستوى الإيراني في تهديد “إسرائيل” أو “الخليج” أو “النووي”، وتبدو المسائل معلّقة طويلة وكأنها مجدداً عند نقطة الصفر .

About this publication