Is Obama Betraying His Task as a History-Maker for the Sake of His Presidential Ambitions?

<--

هل يخون أوباما مهمته كصانع تاريخ لمصلحة طموحه كطالب رئاسة؟

Mon, 02 أبريل 2012

نجح باراك أوباما عبر سنوات حكمه الثلاث الماضية في استعادة الكثير من القيم الإيجابية للتعامل الدولي وأبرزها الحوار، والاعتدال، وأولوية الديبلوماسية على العنف. وقد ساعدته جاذبيته الشخصية الفائقة، ومرونته السياسية العالية، وقدرته غير العادية على الاستماع إلى الطرف الآخر أياً كانت نقاط تمركزه حيال الولايات المتحدة أو مواقفه منها، في تفريغ طاقات لا محدودة من الغضب كانت مكبوتة خلف جدران القطيعة والاستعلاء اليميني وخصوصاً إزاء الصين وروسيا، بل وإيران إبان عاصفة الاحتجاجات التى اعقبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة (2009)، فقد كان الرجل بليغاًَ جداً آنذاك عندما وصف الصراع في إيران بأنه «داخلي»، وكان حصيفاً جداً عندما رآه «غير جذري»، لا يزال يدور داخل العباءة الدينية للمرشد الأعلى. ولعله أدرك بحكمة، وإن لم يعلن ذلك صراحة، أن الصراع سوف ينمو ويصير أكثر جذرية، وأن المرجعية الدينية سوف تصبح محلاً للنقاش في المقبل من الأيام، بعدما تفتقت عن ثغرات، وتفجرت حولها وبها ومنها دماء ليست غزيرة تماماً، ولكنها أيضاً ليست بالقليلة، مع ما تركته من ندوب وأوجاع، وبلورته لدى الشعب الإيراني من رغبة في الحشد، وقدرة علية، في مواجهة المرجعية التي لم يجرؤ أحد على المجاهرة بمخالفتها حتى ذلك التاريخ.

وبدلاً من شعور عام نما فى عهد بوش الابن، كان ينتظر دوماً الانفجار التالي في السياسة العالمية، لعله حرب جديدة أو أزمة سياسية كبرى تقودها أميركا، صار العالم ينتظر انفراجاً متنامياً، ويستيقظ على آمال مستجدة فى تجاوز حال الحرب لمصلحة السلام، وتجاوز مناخ الأزمة الاقتصادية. باختصار: لقد تغير جوهر السؤال مع أوباما، وبدلاً من سؤل كان يهاجسنا في ظل الهيمنة اليمينة: متى تشتعل الحرب، برز سؤال آخر نهجس به إزاء أوباما وهو لماذا لم يقم السلام؟. ربما كان التحول بطيئاً، ولكن المؤكد أن اتجاه البوصلة قد تغير، وأن ثمة شعوراً ساد بأن الآتي أفضل.

يبقى الصراع العربي – الإسرائيلي في هذا السياق حاملاً شارة الاستثناء، فالرجل لم يتقدم الى حلبته بعد رغم وعده بحل الدولتين، بل يمكن القول إنه تراجع كثيراً أمام اليمين الإسرائيلي الموصول باليمين الأميركي عبر وسائل مادية ومعنوية معروفة ولا مجال لسردها هنا، جعلته يتحدث دوماً عن علاقة أميركية جوهرية بإسرائيل غير موضع لخلاف أو نقاش. فهل يعنى ذلك أنه راغب في منحها الأولوية المطلقة على حساب الشرعية الدولية، أم أنه ينتظر ولايته الثانية التى يتحرر فيها من وسائل الضغط اليهودية المادية والمعنوية لينطق نحو تحقيق وعده الذي قطعه للعرب والمسلمين حين خاطبهم من القاهرة قبل ثلاثة أعوام، داعياً إياهم إلى عصر جديد تسوده أسس التعايش السلمي؟

حافة الجنون؟

قد يصدق الاحتمال الأول، ليصير أوباما آنذاك حلماً زائفاً، وقد يصدق الاحتمال الثاني ليصير الرجل بحق صانع تاريخ، وفي كلا الحالين يبقى الأمر في سياق المعقولية: قصور ذاتي لدى العقل السياسي الأميركي يمارس نفوذه ضد طرف يتصوره الأضعف، ولمصلحة طرف يتماهى معه ثقافياً أو دينياً. وأيضاً عجز إرادة لدى رجل ادعى قدرته على صنع التاريخ، ولكنه التمس راحته وأمانه في الإذعان للواقع. أما ما يدفع بالأمر إلى خارج إطار المعقولية وإلى حافة الجنون فهو العدوان على إيران، سواء تم بادعاء خطر ملفق على أميركا، أو تقنّع بنفاق سياسي – عقائدي لإسرائيل، فلن يعدو الرجل آنذاك أن يكون مجرد ظل باهت لبوش الإبن، سواء قامت أميركا نفسها بالعدوان، أو شاركت فيه مع إسرائيل، أو حتى أخذت موقف الحياد البارد من هجوم إسرائيلي على إيران، يُفهم منه موافقة ضمنية عليه، أو تردد في محاولة منعه.

قد يكون النظام الإيراني متشدداً في كثير من القضايا، وقد يكون نظاماً رجعياً ينطوي على نفسه وهويته الإيديولوجية، منكفئاً عن بعض الحقائق الكبرى في عالمنا. وقد يكون هذا النظام وبالاً على الشعب الإيراني ذاته، بل وقد يكون الكثيرون من أبنائه يفكرون فى كيفية الخلاص منه على النحو الذى كشفت عنه انتفاضة عام 2009 التي قُمعت بشراسة، بل وقد تكون آليات التفتت الداخلي قد بدأت عملها الآن وهو ما تدل إليه الخلافات العديدة داخل النخبة المركزية في النظام السياسي، وبين عناصر تيار المحافظين أنفسهم. غير أن ثمة حقيقة نفسية أساسية وهي أن قوة حضور اليمين الأميركي المحافظ من ناحية، والالتحام الناتج من الالتفاف حول الخيار النووي من ناحية أخرى، هما ما جمد عمل هذه التناقضات طوال العقد المنصرم، وأن أفضل طريقة لتزكيتها هي تحاشي أي نوع من التدخل فيها، لأن مثل هذا التدخل سوف يساهم في تجميدها، ويمكِّن النظام القائم من السيطرة عليها، وتوجيه الطاقة التي يمكن حشدها ضد الخارج خصوصاً الأميركى، فالنظام الإيراني، ككل نظام مغلق، ينمو على العزلة، ويتغذى على مشاعر الخوف، ويتقوى بالحصار، فما أن ينتهي الخوف، ويتفكك الحصار حتى تبدأ الأسئلة التي سرعان ما تنمو إلى حد المساءلة، وكلها تقود في النهاية إلى مطالبات شعب عريق فعلاً بحقه في تقرير مستقبله والسيطرة على مصيره، بعدما تأكد أن الخلاص من قبضة التخلف والضعف لا يكون سوى بعمل إنساني داخل التاريخ، وليس بوعود خلاص تلفيقي تتجاوز هذا التاريخ.

* كاتب مصري

About this publication