The Palestinians: Breaking Free from America’s Biased Positions

<--

هناك شبه اجماع بين الفلسطينيين بمختلف انتماءاتهم السياسية فيما يخص استمرار التفاوض مع الاسرائيليين طالما ظلوا يتعمدون اللجوء الى استخدام ما يحلو لهم من الاساليب الملتوية بهدف التهرب مما قد يترتب على جلوسهم الى طاولة المفاوضات من التزامات او تعهدات تتسبب لهم بالحرج في حالة عدم الوفاء بها. فتراهم يلجؤون الى استخدام اسلوب التسويف والمماطلة, او التسلح باعذار واهية حتى يصل بهم الحال الى الادعاء بعدم وجود طرف فلسطيني يعتد به يكون مخولا لاتخاذ ما يلزم من قرارات من شأنها ان تؤدي الى التوصل لايجاد حل للنزاع فلا يتأخر الفلسطينيون بالرد, حيث تصدر التصريحات بالادانة للجانب الاسرائيلي المعطل, المستمر في التصلب بمواقفه الدالة بشكل قطعي على عدم الجدية بالطرح, والتهرب من تناول القضايا العالقة, التي يمثل الاتفاق بشأنها انجازا على طريق التوصل للحل النهائي.

ثم تغيب المواقف برهة من الزمن, لتعود القيادة الفلسطينية بعدئذ لنبش القضية في محاولة اعادة احياء الميت من جديد, عن طريق توجيه النداءات لاكثر من طرف اقليمي ودولي مناشدة اياهم بضرورة ممارسة الضغط على حكام تل ابيب ليخفضوا من تعنتهم ويأتوا الى طاولة المفاوضات ان كانوا حقا راغبين في تحقيق السلام, الامر الذي سينعكس ايجابا على مجمل الاوضاع في المنطقة. فيلوذ الاوروبيون بالصمت, ويمتنع زعماؤهم عن الادلاء بالتصريحات ولو تلميحا, تاركين مهمة التحرك قولا وعملا للولايات المتحدة الامريكية التي نصبت من نفسها وليا على القضية الشرق اوسطية فيخرج الناطقون الرسميون باسم البيت الابيض ووزارة الخارجية بتصريحات مضمونها الحث على ايجاد السبل الكفيلة بالعودة الى التفاوض للبحث في قضايا المرحلة النهائية دون طرح شروط مسبقة.

فيكون ذلك بمثابة اشارة الى مطالبة الفلسطينيين العمل على تجميد عمليات الاستيطان بشكل مطلق كشرط للعودة للمفاوضات, ولا يترددون من الناحية الاخرى عن الدعم الكامل لاسرائيل بمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والامنية, وهذا ليس بالامر الجديد, حيث درجت الادارات الامريكية المتعاقبة على انتهاج مثل هذه السياسة المنحازة, من خلال منح الكيان الاسرائيلي الهبات المالية والقروض الميسرة, وتزوده باحدث انواع الاسلحة والمعدات الحربية بهدف الابقاء على تفوقه عسكريا على بقية دول المنطقة. وهو النهج الذي يتبعه المسؤولون الامريكيون الحاليون الذين تفوقوا على سابقيهم بالنسبة للانحياز السافر للجانب الاسرائيلي, خاصة فيما يتعلق بالتنسيق الامني الميداني واللوجيستي, فلا يضيرهم في شيء الاعلان عن قدسية التزامهم بالمحافظة على امن اسرائيل, فيذهب البعض والحالة هذه الى حد القول ان ذلك انما يتم من باب التزلف والاستجداء, طمعا في الحصول على اصوات اعضاء اللوبيات الصهيونية, وقد اقترب موعد الانتخابات الرئاسية. فنجد المرشحين من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري يتسابقون لاظهار اصطفافهم الى جانب اسرائيل وتأييد مواقفها, حتى بالرغم من كونها المعتدية التي تحتل ارض الغير, وتمارس انماطا مختلفة من العربدة والبلطجة بحق من يعانون جراء الاحتلال البغيض, ونعني بذلك الفلسطينيين الذين احتلت اراضيهم وصودرت ممتلكاتهم لتقام عليها المستوطنات الاخذة بالانتشار كالسرطان في معظم انحاء الضفة الغربية المحتلة, مما يعني جلب المزيد من المستوطنين على امل احداث تغيير في البنية الديمغرافية للسكان, بحيث يتحول المواطنون الفلسطينيون الى اقلية فيتم التعامل معهم كما هو التعامل مع الاقليات بالعديد من الاقطار والظاهر ان ذنب اسرائيل مغفور بالنسبة للامريكان الذين ما زال العرب يعولون كثيرا عليهم في ايجاد حلول لمشاكلهم, والفلسطينيون في مقدمتهم لاعتقادهم ان 99% من الحل هو بيد الامريكان, حسب ما روج له في حينه الرئيس الراحل انور السادات.

لكن الحقيقة تقول غير ذلك. والقيادات الفلسطينية هي الاجدر للعمل على فضح هذه المقولة الخاطئة, خاصة وانها كانت قد كرست عقودا من الزمن في محاولتها لثني الرؤساء الامريكان عن اتخاذ الاحكام المسبقة التي يتبنونها فيما يخص مجمل قضايا المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وهناك من بينها من يطالب بالتحلي بالمزيد من الصبر والمثابرة والتمتع بجرعات من التفاؤل بانتظار حصول الفرج, جميل ان يكون الانسان صبورا, مثابرا, ومتفائلا. لكن لا يعني ذلك تقديم المزيد من التنازلات والاستمرار في مهادنة العدو المحتل والتجاوز عن تصرفاته, والوصول الى النقطة التي يتم معها القبول بالامر الواقع, مما يعني الاستسلام لشروطه واملاءاته.

لكنا لا نعتقد ان هناك بين الزعامات الفلسطينية التي كرست حياتها للنضال من اجل تحقيق الاهداف الوطنية من يرضى بضياع القضية بين “الصيرة والباب” كما يقول المثل الشعبي, فيصبح الجميع على الحقوق التي فرطوا بها نادمين. نقول ذلك ليس من باب الاطراء او المديح, لكن لعلمنا بالتجربة المرة التي عاشوها افرادا وجماعات, حيث خبروا العدو عن قرب واصبحوا ماهرين في كشف اساليبه الخداعة ومراميه الشريرة. لكن هناك من يتساءل الى متى تدوم هذه الحالة من الترقب والجمود, ونحن بانتظار المجهول, بعد ان بات معروفا للقاصي والداني عدم جدية الامريكان والاسرائيليين في السعي لايجاد حل لهذا النزاع.

لقد اصبح من الواجب ان يبحث الفلسطينيون عن طريق اخر للخلاص يؤدي الى الانعتاق من نير الاحتلال, والتوجه لبناء الدولة الفلسطينية الديمقراطية بعمقها العربي. دولة العدل والمساواة التي يحلم بها الشعب بعد طول معاناة, والى لقاء قريب.

About this publication