American Autumn

<--

بنظرة فاحصة وتحليل منطقي لمجريات الأحداث على الساحة الدولية، ودراسة وافية لما تمر به الولايات المتحدة، يتضح أن نجم أمريكا بدأ بالأفول، وأنها بدأت بالانحدار التدريجي على المستويات كافة، اقتصادية وسياسية وعسكرية واجتماعية، بل إنها في طور الهرولة نحو القاع .

فبعد أن كانت واشنطن الآمر الناهي على الساحة الدولة والملك المطاع وصاحب التوجيهات في كل صغيرة وكبيرة، ها هي تتقهقر شيئاً فشيئاً على مستويات عدة، إضافة إلى كونها تواجه صعود دول وتحالفات جديدة على الساحة الدولية انتزعت منها الدور الذي ظلت تلعبه في العالم خلال قرن من الزمان .

أحد أكبر التحديات التي تواجه واشنطن، العودة القوية لروسيا على الساحة الدولية، بعد أن بدأت تأخذ الدور الذي كان يلعبه الاتحاد السوفييتي، ما يشبه عودة الحرب الباردة من جديد . وبذلك تم نعي عالم القطب الواحد الذي هيمنت فيه الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 . بدأت ملامح مرحلة صعود نجم روسيا الاتحادية تتضح بعد تسلم الرئيس فلاديمير بوتين لمقاليد الحكم عام 2000 ومباشرته العمل على انتشال البلاد من مرحلة التدهور التي عاشتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ليحدث نهضة على الصعُد كافة، ولتبدأ روسيا تستعيد دورها المعهود، وبدا ذلك واضحاً في السنوات الأخيرة، خاصة مع انطلاق ما يسمى “الربيع العربي” الذي كشف عن تراجع أمريكا وصعود قوى جديدة أهمها روسيا والصين .

ومن حيث انتهينا، فإن الصين أخذت هي الأخرى تأخذ دوراً عالمياً ذا أهمية بالغة، حيث سمح لها الانتعاش الاقتصادي الذي تعيشه، في ظل أزمة مالية عالمية مازالت تهز أمريكا وأوروبا على وجه الخصوص، بتصدر المشهد الاقتصادي الذي يرتبط بالضرورة مع المشهد السياسي، حيث أغرقت واشنطن بالديون التي تجاوزت التريليون دولار، إضافة إلى قروض بالمليارات لإنقاذ أوروبا من الأزمة الاقتصادية التي مازالت تعصف بها، بعد أن بات الانهيار يتهدد الاتحاد الأوروبي وعملته الموحدة الفتية “اليورو” .

الدور الجديد للصين جعلها صاحبة أمر ونهي في المنطقة والعالم يحسب لها ألف حساب، خصوصاً على الصعيد السياسي الذي أتقنت لعبه، فكان لها ولروسيا دور مؤثر في انتزاع استئثار واشنطن والغرب بالقرار السياسي، وتمثل ذلك في “الفيتو” الروسي الصيني المزدوج لمرتين في مجلس الأمن في ما يخص الأزمة السورية، إضافة إلى مثله في قضية تطورات المشهد السوداني بعد احتلال جنوب السودان لمنطقة “هجليج” النفطية السودانية والدور الذي مارسته الصين في إنهاء الأزمة .

أضف إلى ذلك التحالفات الإقليمية التي بدأت تتشكل في مواجهة الهيمنة الأمريكية والدور الأوروبي في العالم، حيث خسرت واشنطن معظم معاقلها في أمريكا اللاتينية، وما شهده العالم مؤخراً من تحالفات اقتصادية سياسية كدول “بريكس” على سبيل المثال لا الحصر، متمثلة في الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، والتي بدأت تأخذ دورها على الساحة الدولية .

لذلك فإن نجم واشنطن بدأ بالفعل في الأفول، وأزماتها المتشعبة المركبة ستجبرها في النهاية على التخلي عن هيمنتها والتقوقع على ذاتها لمواجهة شبح التفكك الذي قد يصيبها في أية لحظة

About this publication