An American, Not Syrian, Crisis

<--

في الثامن والعشرين من الشهر الماضي كتب ثوماس فريدمان مقالا في النيويورك تايمز, قال فيه : ان “الوقت قد حان لاعادة النظر في سياسة الشرق الاوسط” الامريكية, التي وصفها الصحافي البريطاني المتخصص في المنطقة, ديفيد هيرست, في مقال له نشرته “ذي جابان تايمز” بأنها “مؤسرلة” وذلك بعد بضعة اشهر من الغزو الامريكي للعراق في سنة 2003 ، وهو العام الذي بدأ الكثير من المحللين بعده يدينون ما وصفوه بـ “عسكرة” السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وقد وصلت “أسرلة” و”عسكرة” السياسة الخارجية الامريكية الى ذروة خطها البياني الصاعد خلال ما يصر الاعلام الامريكي على تسميته بـ”ثورات الربيع العربي”, عندما نجحت في تطويع جامعة الدول العربية كي تتبنى الاولويات الاسرائيلية والعسكرية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط, بعد ان استوعبت عشرة من دولها الاعضاء كـ “شركاء” في حلف شمال الاطلسي “ناتو”, حد ان تحولت هذه الجامعة الى واجهة عربية للاستراتيجية الامريكية الاقليمية, كما اتضح في حرب حلف الناتو على ليبيا, وكما يتضح دورها اليوم في الازمة السورية, بعد ان كانت الجامعة العربية مجرد شريك عملي في الظل اثناء الغزو فالإحتلال الامريكي للعراق.

لكن النتائج العكسية لأسرلة السياسة الخارجية الامريكية وعسكرتها تبدو في اوضح صورها اليوم في صراع الارادات الدولي والاقليمي المحتدم حاليا للفوز بالجائزة الاقليمية الكبرى لهذه السياسة في سورية, حيث يتضح ان الخط البياني الصاعد لهذه السياسة قد وصل مداه, وبدأ في الانحدار.

وبينما تنسب الازمة القديمة المتجددة الى سورية فإنها في الواقع ازمة في السياسة الخارجية الامريكية ناجمة عن اسرلتها وعسكرتها, يدفع العرب ثمنها من دمائهم, اليوم في سورية, وأمس في ليبيا والعراق, وقبلهما في فلسطين.

ولم يعد سراً ان الفصل بين سورية وايران, من اجل استيعاب سورية ضمن استراتيجية “السلام” العربي – الاسرائيلي برعاية الولايات المتحدة, هو هدف معلن لدولة الاحتلال الاسرائيلي, نجح رئيس وزرائها, بنيامين نتنياهو, في تحويل تحقيقه الى شرط مسبق لاستئناف ما يسمى “عملية السلام”, وفرضه كأولوية للولايات المتحدة في المنطقة تتقدم على كل ما عداها, في احدث عنوان لـ”أسرلة” السياسة الخارجية الامريكية, مما اجبر الرئيس الامريكي باراك اوباما على التراجع عن اولوية التوصل الى تسوية سياسية فلسطينية – اسرائيلية كما اعلن في مستهل ولايته, لينجح اوباما بدوره في “حث شركائنا العرب والاوروبيين على زيادة الضغط على النظام” في سورية من اجل تبني الاولوية الاسرائيلية للسياسة الخارجية الامريكية في المنطقة, كما قال جيفري د. فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الامريكية في شهادة له امام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في الكونغرس.

وفي شهادته تلك (9/11/2011), صدق فيلتمان في امر واحد فقط عندما اعترف بأن “شيئا واحدا تعلمته من احداث العالم العربي في السنة الماضية وهو التواضع بشأن قدرتي على التنبؤ” بالتطورات في المنطقة, ومن الواضح الان ان سورية قد اسقطت كل تنبؤاته وتوقعاته فيها وحولها, وكل المؤشرات تدل على ان النتائج العكسية للسياسات الامريكية التي نصح بها ادارته بشأن سورية باعتباره مهندس “شؤون الشرق الادنى” لوزارة خارجيتها مثلت فشلا ذريعا له ولبلاده تستوجب احالته الى التقاعد.

وكان فيلتمان مخادعا ومضللا للشعب الامريكي وممثليه في الكونغرس في كل شيء اخر ورد في شهادته. فقد اعتبر التقارير السورية عن العصابات التي تمارس الارهاب والتخريب مجرد “دعاية من (الرئيس السوري بشار) الاسد عن العصابات المسلحة”, رغم انها موثقة ومسندة بشهادة “مراقبي” الجامعة العربية ودول كبرى تتمتع بحق النقض “الفيتو” في مجلس الامن الدولي مثل روسيا والصين, وأوهم مستمعيه بأن “المحتجين يخرجون الى الشوارع .. في كل ارجاء سورية في كل يوم”, وأن تلك الاحتجاجات “امتدت الى كل مدينة وكل بلدة رئيسية”, وأن “ائتلافا يضم العلمانيين والمسيحيين والاسلاميين والدروز والعلويين والاكراد وجماعات اخرى من داخل سورية وخارجها قد اجتمعت لتؤلف جبهة متحدة ضد نظام الاسد”, وأن “المجلس الوطني السوري” يمثل “ائتلافا متحدا” للمعارضة, وأن “هذه” المعارضة “رفضت ابتلاع طعم الرد على عنف” النظام الحاكم, وأن “الدبابات والمدفعية تستمر في اطلاق النار داخل المناطق السكنية”, وأن “الضغط” الشعبي “بدأ ينهك الجيش” العربي السوري, ليخلص الى القول: “نحن لا نسعى الى المزيد من عسكرة الصراع … لاننا (أي ادارة اوباما) لا نزال نعتقد بأن المقاومة العنيفة نتائجها عكسية”.

ولان فيلتمان وإدارته يدركون بأن السوريين لن ينخدعوا بما في شهادته من مغالطات وتضليل لانهم يعيشون على الارض التي كان يتحدث عنها, فإن المستهدف الواضح بخداعه كان الشعب الامريكي نفسه الذي استهدفه الخداع والتضليل الاعلامي المماثل من ادارته الحاكمة بلسان فيلتمان نفسه من اجل تسويغ غزو العراق قبل ذلك.

في سنة 1957 كانت هناك ايضا “أزمة سورية” يتذكرها جيدا جيل الكهول والشيوخ في الوقت الحاضر, والازمة السورية الراهنة تكاد تكون نسخة طبق الاصل منها في اسبابها وأطرافها الاساسيين, وعلى الارجح, كما تشير كل الدلائل الى ان تكون نتائج هذه الازمة المتجددة في القرن الحادي والعشرين هي ذات النتائج التي انتهت بانتصار سورية وبالنتائج الامريكية العكسية التي تمخض عنها تفجير واشنطن للازمة السورية في القرن العشرين الماضي.

فالهزيمة الامريكية في الازمة السورية الاولى هي التي اسست للدور السوري الاقليمي الحالي الذي تحاول الولايات المتحدة اليوم ان تنجح في القضاء عليه بعد ان فشلت في وأده في مهده قبل خمسة وخمسين سنة, كما ستؤسس الهزيمة الامريكية المتوقعة في الازمة الراهنة لتعزيز هذا الدور في المرحلة المقبلة.

وقد نشر استاذ تاريخ الشرق الاوسط بجامعة ترينيتي الامريكية, ديفيد دبليو. ليش, كتابا عن ازمة 1957 بعنوان “سورية والولايات المتحدة: حرب ايزنهاور الباردة في الشرق الاوسط”, قبل الثورة اللاحقة في ايران وقبل وصول حزب البعث والاسد الى الحكم في سورية. ونشر وليام كوانت, عضو مجلس الامن القومي الامريكي في عهدي ريتشارد نيكسون وجيمي كارتر, مراجعة لكتاب ليش عن ازمة ,1957 الناجمة عن محاولة ضم سورية الى حلف بغداد ضد السوفييت وثورة جمال عبد الناصر العربية في مصر, تماما كما تجري اليوم محاولة ضمها الى جبهة امريكية – اسرائيلية – عربية ضد ايران, واتفق كوانت في مراجعته مع المؤرخ في “النتائج العكسية” للسياسة الامريكية تجاه سورية انذاك, فقال:

“من الواضح الان ان الولايات المتحدة قد انجرت للدخول في مخطط لاثارة عدم الاستقرار في سورية, بالاشتراك مع بريطانيا والعراق وتركيا (يستبدل العراق في الازمة السابقة بقطر والسعودية في الازمة الحالية) … وكانت النتيجة عكسية اذ دفعت السوريين الى احضان السوفييت ودفعتهم لاحقا الى الوحدة مع مصر (يستبدل السوفييت ومصر في الازمة السابقة بإيران وروسيا والعراق على التوالي في الازمة الحالية) … (كتاب ليش) يساعد في شرح لماذا تساور السوريين منذ مدة طويلة الشكوك في السياسة الامريكية تجاه بلدهم”.

ومن الواضح ان الاستراتيجية الامريكية لم تتغير بين الازمتين السوريتين, وأن الفترة الفاصلة بينهما كانت في الواقع امتدادا لازمة متطاولة في العلاقات الامريكية – السورية, بدليل قانون مساءلة سورية الامريكي, والحرب الامريكية – الاسرائيلية التي لم تتوقف معاركها لاخراج القوات العربية السورية من لبنان وتصفية النفوذ السوري فيه من اجل تحويله الى منطقة عازلة بين دولة الاحتلال الاسرائيلي وبين الدولة العربية الوحيدة التي لا تزال في حالة حرب معها, وبدليل التشجيع الامريكي لدولة الاحتلال على عدم الانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة رغم جنوح سورية الى السلام ومفاوضاته.

About this publication